تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: وأمَّا ما وافقت شيخي فيه بهذا الشأن، فهو مقت اللهث وراء الإجازات، والانشغال بها عن العلم، حتى رأيت من الطلبة من لا همّ له إلا هي، يرحل ويضعن من أجلها، ورأيت من يحضر بعض مجالس العرض في آخر جلسة، ليسمع حديثاً واحداً أو لا يسمع شيئاً، حتى يدوَّن اسمه فيمن حضر! والله المستعان!

وأمَّا سعة أفق الشيخ وعنايته بشؤون الأمّة، وحبِّه لجمع الشمل، وتوحيد الكلمة، وقدراته الدبلوماسية في هذا الشأن، فشيء قد لا يخطر على البال! ولو تركت لقلمي المجال، لربما طال المقام وفاتت المناسبة دون أقدم لمحبيه عنه شيئاً ..

ولكن أكتفي بذكر طرفٍ - حرّج علينا الشيخ نشره في حياته – ليكشف لنا شيئاً من جهوده العملية في متابعة شؤون الأمّة التي لا تحدّها الأقاليم ..

مرّة كان الحديث في الدرس عن الشفاعة - فيما أظن – وأثناء القراءة، ضحك الشيخ فلفت انتباهنا، ثم سكت مبتسماً برهة، ونحن نبادله الابتسامة نتحيّن ما بعدها، وحينها أدرك الشيخ مبتغانا، وكاد يعود بنا حيث وقفنا، ولكن النّفوس قد تهيئت لأمر تردّد فيه الشيخ، فلم ندعه حتى نطق، فقصَّ علينا القصّة التالية (أسوقها كما أتذكرها قدر المستطاع) قال:

ذات مرّة اتصل بي الشيخ عبد العزيز (يعني ابن باز - رحمه الله – وكان ابن باز حياً حين إخبارنا بالقصة) بعد صلاة العصر، وقال: يا شيخ عبد الله! أريد أن تأتيني الآن! فاتجهت إليه وأنا أُفكِّر: ماذا يريد الشيخ في هذا الوقت الذي هو وقت راحته في العادة .. ولما وصلت داره، وجدته في انتظاري، يترقب مجيئي إليه وبيده ظرف مغلق .. فرحب بي ثم سارَّني قائلاً: يا شيخ عبد الله، تذْكِرتُك إلى باكستان جاهزة، وأريد أن تسلِّم هذا الخطاب لأخينا ضياء الحق بنفسك! .. وحكى لي قصة الظرف باختصار .. فحاولت أن أعتذر لبعض الأشغال الخاصة، فلم يترك لي الشيخ مجالا، وقال: استعن بالله، وستجد الإخوة في انتظارك هناك! .. قال: فجهزت نفسي وسافرت إلى هناك، ولما وصلت مطار إسلام آباد، وجدت جمعاً من الإخوة في استقبالي، وسرنا إلى حيث كان الرئيس ضياء الحق رحمه الله، ووجدنا ضياء الحق عند مدخل المبنى، فاستقبلنا ورحب بنا ترحيبا قوياً، ثم جلسنا وسلمته الخطاب، فنظر فيه، ثم قال: إن شاء الله .. إن شاء الله .. ولمَّا هممنا بالانصراف، قال: بلّغ سلامنا للشيخ ابن باز .. وإن شاء الله يسمع ما يسره (أو كلاماً نحو هذا). قال: وكان الشيخ قد قال لي: هذا الخطاب فيه شفاعة خاصّة في أخينا نجم الدين أربكان، لعلّ الله ييسر له الخروج من السجن .. وكان نجم الدين أربكان – وفقه الله - قد سُجن حينها بأمر من الرئيس التركي الجنرال الهالك كنعان إيفرين - عليه من الله ما يستحق ..

قلنا: يا شيخ عبد الله! وما علاقة ضياء الحق بالموضوع؟ لماذا اختاره الشيخ ووجه له الرسالة؟! قال: سألت الشيخ – يعني ابن باز - فقال: له به علاقة صداقة قديمة! لعلّ الله ينفع به .. لعلّ الله ينفع به ..

ثم سألنا الشيخ جميعاً بصوت متقارب: هل كان لهذه الشفاعة أثر؟ قال الشيخ: نعم لم نلبث حتى سمعنا خبر إطلاق سراح نجم الدين أربكان، وما إن خرج حتى بدأ في تأسيس حزبه الإسلامي باسم جديد.

قلت: وأمَّا ما لم يذكره شيخنا عبد الله ابن قعود - رحمه الله - لنا أثناء سرده لهذه القصّة، فهو: لماذا اختار شيخنا ابن باز شيخَنا ابن قعود لهذه المهمّة؟ بل لماذا كان يختاره ممثلاً عنه في عدد من المهام الدقيقة، والاستجابة للدعوات الخارجية الموجهة إليه من عدد من المؤتمرات الإسلامية! بل لماذا أرسله لمناقشة مدعي النبوة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي قصة أخرى عجيبة!

ولعلَّ مما يمكن اندراجه في الجواب: أنَّ شيخنا ابن قعود – رحمه الله ورفع درجته وأجزل الله مثوبته – سلفي حقيقة، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، علم، وفهم، ومرونة شرعية على نهج المرسلين، ذلَّة على المؤمنين وعزّة على الكافرين ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير