تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد كان له عناية بالحركة الإسلامية في تركيا، ذكر بعضها في محاضرة ألقاها في جامعة الملك سعود في حشد كبير من الأساتذة والطلاب والمهتمين تحت عنوان: (الدعوات الإصلاحية وأثرها في المجتمع)، وله رحلات أجنبية عديدة حضر خلالها مؤتمرات دولية ولقاءات عامّة، ووقف فيها على كثير من المواقف التي تتطلب مرونة شرعية يتقنها أيَّما إتقان، مع ما وهبه الله عز وجل من خلق و معرفة بذوقيات التعامل الخارجي ورسمياته. حتى في طريقة أداء العبادة في بعض الأحوال: ومن ذلك أنَّه كان بصحبة أحد المبتعثين في الولايات المتحدة الأمريكية، فحان وقت صلاة العصر، وكانوا في أحد المطارات الأمريكية الدولية، فسارّه الطالب المبتعث: يا شيخ حان وقت الصلاة، وأريد أن أرفع صوتي بالأذان؟ فردًَّ الشيخ: لا .. ثم بدأ الشيخ مباشرة يؤذن بصوت عادي - كأنما يحدثني - ونحن نسير، نحو الصالة الأخرى لنطير منها إلى المطار المحلي، ثم قال لي: لا ضرورة لرفع الصوت .. الحمد لله الدين يسر .. هذا قد يضرّ، ونحن اثنان .. أو كلاماً نحو هذا ..

أتذكر هذه القصّة، ونحوها من قصص علمائنا الذين نشأوا في طاعة الله بالعبادة وطلب العلم، و ابيضّت لحاهم في ذلك غير محرِّفين ولا منْحرفين ولا مغَيِّرين .. وأتذاكرها أحياناً مع الزملاء الذين أشرت إليهم، فلا ينتهي عجبُنا من الشيخ، ومعرفته بدقائق من الواقع العالمي، لا يعرفها كثيرون من أصحاب الشأن، وقد سألت عددا من الأكاديميين العسكريين عن علاقة ضياء الحق بكنعان إيفرين من الناحية التاريخية، فقال لي بعضهم: كان الضبّاط الباكستانيون يَتَخَرَّجون في الكليات العسكرية التركية! .. وهل في هذا جواب يُفسِّر الواقعة، أو أنَّ جوابها في غيره؟! الله أعلم ..

كما لا ينتهي عجبُنا من نابتة لا تعرف قدر علمائنا الكبار، وتظنّ أنَّهم لا يدركون من أمر الواقع إلا دون ما هم يدركون ..

ولا ينتهي عجبنا كذلك من فئة تظنّ أنَّ علماء الأمة لا حقَّ لهم في الاهتمام بأمر المسلمين، فما شأن أهل الآخرة بأهل الدنيا، وكأنَّ علماءنا لم يبطلوا العلمانية من جذورها، ويُفنَّدوا مقالات دعاتها من أساسها ..

ثم عجبنا ممن يزعمون الثقافة ويتزعمونها – رغماً عنها – ثم هم يحاولون التنقّص من كبار العلماء مباشرة أو من خلال النيل من المؤسسات الشرعية التي ولَّاهم عليها ولاة أمرنا - وفقهم الله لما يرضيه – وكأنَّهم أوصياء حتى على الشريعة التي لم يتخصصوا فيها! فتجدهم ينقدون الفتاوى، ويسيؤون فهم النصوص، بل إنَّهم لا يحسنون قراءة بيانات أهل العلم في الأمور العامة التي يرون وجوب بيانها للنّاس، نصحاً للأمَّة، وحذراً من كتم العلم، ودرءاً لما يُتَوَقَّع من الفتن.

وترد على خاطري خواطر من المشهد الإعلامي - الذي يفتقد الشرعية النظامية بمخالفة كثير من مواد السياسة الإعلامية - حول هذا المعنى، منها:

هل هذا التحصيل العلمي، والفقه الشرعي، والوعي الدعوي، ووقار المشيخة، وتجربة السنين، هل هذا كلّه هو الألم الذي يستنطق الأعداء بالخوف والتخوف والتنادي لحصار الخير الذي بلغ الآفاق؟ وهل جيل الصحوة الذي ينقاد للعلماء - امتثالاً لأمر الله عز وجل - أشدّ رهبة في صدورهم من الله؟ وهل هؤلاء قوم يفقهون! لنجد أي سندٍ لما يتقوّلون؟ .. وأنا في خضم هذه الأفكار .. أتذكر بعض آي الكتاب، فأجدني أردَّد قول الله عز وجل: {لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} الحشر13.

كتبه تلميذه / سعد بن مطر العتيبي

8/ 9/1426

الرياض


[1] ولعلّ في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ما يكشف بعضَه، ومما يحال إليه لمن شاء شيئاً من ذلك الكتاب الموسوم بـ: (مجموع رسائل ومقالات الشيخ عبد الله بن حسن آل قعود، عناية الشيخ: عبد الله بن سليمان بن عبد الله آل مهنا).

ـ[عبدالرحمن بن قعود]ــــــــ[08 - 02 - 08, 03:18 م]ـ
في رثاء الشيخ عبد الله بن قعود
بقلم د. م. حبيب بن مصطفى زين العابدين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير