يخبر تعالى بما من به على عباده، بأنه فرض عليهم الصيام كما فرضه على الأمم السابقة، لأنه من الشرائع والأوامر التي فيها من المصالح العظيمة للخلق في كل زمان، وفيه تنشيط لهذه الأمة المحمدية بأن تنافس غيرها من الأمم، وتسارع إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة التي اختصت بها هذه الأمة عن غيرها.
ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} إذ الصيام من أعظم الأسباب الجالبة للتقوى؛ إذ إنه يضيق مجاري الشيطان، ويقوي النفس على طاعة الرحمن حقيقة مجربة.
ولما ذكر سبحانه فرض الصوم أخبر أنه أيام معدودات، أي: قليلة في غاية السهولة يستطيع أن يؤديها المكلف العادي.
ثم سهل تسهيلاً آخر فقال: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى? سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وذلك فيما إذا حصلت المشقة، فإن الله قد أباح لهما الفطر، ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض، وانقضى السفر، وحصلت الراحة.
أما الذين يشق عليهم الصيام كالكبير والمريض مرضًا مزمنًا فدية عن كل يوم طعام مسكين عوضًا عن فوات الصوم في وقته، وامتثالاً لأمر الله تعالى، وتحقيقًا لمبدأ العبودية لله تعالى ([16] ( http://www.alminbar.net/malafilmy/ramadan/malaf28/1.htm#16)).
نصوص ذات صلة:
1 ـ عن أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدّى، فقال: ((ادن فكل)) فقلت: إني صائم، فقال: ((ادن أحدثك عن الصوم إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم)) ([17] ( http://www.alminbar.net/malafilmy/ramadan/malaf28/1.htm#17)).
2 ـ عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) ([18] ( http://www.alminbar.net/malafilmy/ramadan/malaf28/1.htm#18)).
3 ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) ([19] ( http://www.alminbar.net/malafilmy/ramadan/malaf28/1.htm#19)).
4 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم)) ([20] ( http://www.alminbar.net/malafilmy/ramadan/malaf28/1.htm#20)).
الفوائد:
1 ـ من دخل عليه شهر رمضان وهو صحيح عاقل بالغ فصومه عليه واجب ([21] ( http://www.alminbar.net/malafilmy/ramadan/malaf28/1.htm#21)) .
2 ـ الصيام من أعظم أسباب التقوى.
3 ـ الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه.
4 ـ الصيام يضيق مجاري الشيطان؛ فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه، وتقل المعاصي.
5 ـ الصائم في الغالب تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى.
6 ـ الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى.
7 ـ المريض والمسافر رخص الله لهما في الفطر، ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض وانقضى السفر وحصلت الراحة ([22] ( http://www.alminbar.net/malafilmy/ramadan/malaf28/1.htm#22)) .
8 ـ الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات.
9 ـ الصوم سرٌ بين العبد وبين ربه لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصًا به، وما سواه من العبادات ظاهر ([23] ( http://www.alminbar.net/malafilmy/ramadan/malaf28/1.htm#23)) .
* * *
2- الآية (185). ( http://www.alminbar.net/malafilmy/ramadan/malaf28/1.htm#1a)
¥