ورأيت رجلاً يناقش الأمير قائلاً: لماذا تفصلون الدين عن السياسة؟ وتقولون: لا سياسة في الدين، مع أن الدين فيه سياسة، فسكت الأمير ولم يعط الجواب كما هي عادتهم، ورأيت شاباً يدخن على باب المسجد وله لحية جميلة، فنصحته أن يترك التدخين، وأعطيته قلنسوة هدية، فوضعها على رأسه، وألقى السجارة في الأرض، فعلم الأمير بذلك واستدعاني، وأنكر عليّ ذلك وقال لي: أتركه يدخن في الغرفة المجاورة للمسجد حتى يتركه بنفسه! أقول: هذا خطأ فادح، يتركه يدخن حتى في الغرفة التي بجوار المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). " رواه مسلم "
ومررنا في سوق بلدة (حماه) فقال أحد المرافقين: لا أريد أن أمر بهذا السوق، لأن والدي سوف يراني ويغضب، لأنني تركته في الدكان وحده، وتركت زوجتي وحدها في البيت، وهي على أهبة الولادة فقلت له: هذا لا يجوز شرعاً، اذهب إلى والدك واعتذر منه، أو أكتب له رسالة، واذهب إلى زوجتك واسأل عنها، فقد تكون مريضة أو بحاجة إلى من يرعاها هي وأولادها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول). " حسن رواه أحمد وغيره "
3 - ثم ذهبنا إلى دمشق، ودخلنا مسجد " كفر سوسة " فألقى بعد الصلاة شاب بياناً ذكر فيه حديثاً قال فيه: (الدنيا قرار من لا قرار له) وبعد أن انتهى من كلمته قلت له: هل هذا حديث صحيح؟ فقال لي: سمعته من الأحباب، قلت له: هذا لا يكفي، فالتفت إلى رجل عالم بجانبه وسأله عن الحديث؟ فقال له: هذا ليس بحديث، ثم نصحته برفق أ، يتحرى الأحاديث الصحيحة ويبتعد عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
ولما رآني أميرهم جاءني وقال لي: لا تعلمه، الله يعلمه!!
علماً بأنه يخصص لهم دروساً في الفقه وغيره.
ومضت أعوام، وجئت إلى مكة، فرأيت الرجل يذهب إلى الحرم قبل صلاة الجمعة، فلحقت به، وسلمت عليه، وقلت له: أنت أبو شاكر؟ فقال لي: نعم، قلت له: أنت الذي كنت في دمشق وقلت لي: لا تعلم هذا الشاب، الله يعلمه؟ فقال: نعم، قلت: كيف تقول ذلك؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم). " حسن انظر صحيح الجامع"
فقال لي: إنني أخطأت، ونصحته ألا يرفض العلم والنصيحة، علماً بأنه مدرس في الطائف، ولا بد أنه تعلم حتى أصبح معلماً.
4 - وذهبت في جولة معهم وكنا ثلاثة، فدخلنا غرفة فيها شباب يلعبون بالورق، ويسمونه (الشدة) وفيها تصاوير وأرقام وأعداد، فتكلمت مع الشباب برفق، وقلت لهم: هذا حرام يضيع أوقاتكم، ويجر إلى لعب الميسر، ويورث العداوة بين اللاعبين، فاقتنعوا وبدأوا يمزقون الورق الذي كانوا يلعبون به، وأعطوني بعضها حتى أشاركهم في تمزيقها، فمزقت بعض الأوراق مشاركة لهم وكسباً للأجر، ثم ذهبوا معنا إلى الصلاة في المسجد.
ولما علم بذلك أميرهم استدعاني، وأنكر عليّ تمزيق الورق الذي كانوا يلعبون به، قلت له: لقد طلبوا مني مشاركتي لهم في التمزيق ففعلت، وهم الذين بدأوا بتمزيق الورق قبلي، فلم يقبل ذلك!
قلت في نفسي: هؤلاء يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). " رواه مسلم "
5 - ثم ذهبت معهم إلى الأردن، ولهم مسجد كبير في (عمان) يجتمعون فيه، فنزلنا في المسجد، وصلينا فيه، ثم ألقى أحد المسؤولين بياناً ذكر فيه أشياء غريبة، قال يخاطب الحاضرين:
أ) يا أحبابنا لا تأكلوا كثيراً، حنى لا تتغوطوا كثيراُ، فالإمام الغزالي ذهب إلى الحج مدة شهر ولم يتغوط (أي لم يذهب للحمام) فقال له أحد الجالسين: من أين أتيت بهذه القصة؟ فأنكرها عليه، لأنه لا يمكن للإنسان البقاء مدة شهر دون قضاء حاجته، ثم قام الرجل من المسجد، وترك الاجتماع.
¥