أحدهم شاهدته يقفز فوق رؤوس الحاضرين من مكان مرتفع من شدة وجده، كأنه البهلوان فاستغرب هذا التصرف والصياح عند ذكر شيخ الطريقة، ودخلت مرة على بيت قريبي هذا، فسمعت نشيداً من جماعة الطريقة النقشبندية يقولون فيه:
دلوني بالله دلوني على شيخ النصر دلوني
اللي يبري العليل ويشفي المجنونا
وقفت على باب البيت، ولم أدخل، وقلت لصاحب البيت: هل الشيخ يبريء العليل، ويشفي المجنون؟ قال: نعم، قلت له: الرسول عيسى بن مريم عليه السلام الذي أعطاه الله معجزة إحياء الموتى وشفاء الأكمه والأبرص يقول: بإذن الله، فقال لي: وشيخنا يفعل بإذن الله! قلت له: ولماذا لا تقولون بإذن الله؟! علماً بأن الشافي هو الله وحده، كما قال إبراهيم عليه السلام:
(وإذا مرضت فهو يشفين) " الشعراء 80 "
ملاحظة على الطريقة النقشبندية
1 - تمتاز هذه الطريقة بأورادها السرية الخفية، فليس فيها رقص ولا تصفيق مما عند غيرهم من الطرق المشهورة.
2 - هذا الاجتماع على الذكر، وتوزيع الحصى على كل واحد، والموكل بالختم يأمرهم أن يقولوا كذا، ووضعهم الحصى في كأس ماء ليشربوا منه، ويستشفوا به، هذا كله من البدع التي أنكرها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود حينما دخل المسجد، فرأى جماعة يتحلقون، وبأيديهم الحصى، يقول أحدهم: سبحوا كذا، افعلوا كذا عدد الحصى التي بأيديهم، فقال لهم موبخاً: " ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم؟ هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد، أو مفتحوا باب ضلالة "؟!
" حسن رواهالدرامي والطبراني "
وهذه قضية منطقية سليمة، فهؤلاء إما أن يكونوا أهدى من الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم وفقوا إلى عمل لم يصل إليه علم الرسول صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكونوا في ضلالة، والفرض الأول منتف حتماً، لأنه لا أحد أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبق إلا الفرض الآخر.
الرابطة الشريفة: ويعنون بها أن يتصوروا صورة الشيخ أمامهم في الذكر ينظر إليهم، ويراقبهم لذلك تراهم يخشعون ويصيحون بأصوات منكرة غير واضحة، وهذه مرتبة الإحسان التي وردت في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
ففي هذا الحديث يرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نعبد الله كأننا نراه , وإذا كنا لا نراه , فإنه يرانا , هذه مرتبة الإحسان التي هي لله وحده , قد أعطوها لشيخهم وهذا من الشرك الذي نهى الله عنه بقوله: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً). " سورة النساء 36 "
فالذكر عبادة لله لا يجوز أن نشرك به أحداً، ولو كان من الملائكة أو الرسل والمشايخ دون رتبتهم، فلا يجوز إشراكهم من باب أولى! والحقيقة أن تصور الشيخ في الذكر موجود أيضاً في الطريقة الشاذلية، وغيرها من الطرق الصوفية كما سيأتي.
4 - هذا الصياح الشديد الذي يعتريهم عند ذكر الشيخ، أو طلب المدد من غير الله كأهل البيت، ورجال الله، هو من المنكرات بل هو من الشرك المنهي عنه، فإذا كان الصياح عند ذكر الله منكراً، لأنه يتنافى مع قول الله تعالي:
(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم).
" سورة الأنفال آية 2 "
وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم). " متفق عليه "
فإن الصياح والخشوع والبكاء عند ذكر الأولياء أشد إنكاراً لأن هذا يدل على الاستبشار الذي حكاه الله عن المشركين حين قال:
(وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون). " سورة الزمر 45 "
5 - الغلو في شيخ الطريقة، اعتقادهم أنه يشفي المرضى، مع أن الله تعالى ذكر قول إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم.
(وإذا مرضت فهو يشفين) " سورة الشعراء 80 "
¥