تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يَريب الباحثَ في أمر جمال الدين وأهدافه أيضًا أن أكثر نشاطه كان سريًّا، فقد كان أول من أدخل نظام الجمعيات السرية في العصر الحديث في مصر، وكان حيثما حل يؤسس الجمعيات السرية وينشرها، فأسس الحزب الوطني الحر في مصر أثناء إقامته بها، وكان حزبًا سريًّا، لم يمضِ على تأسيسه عام واحد حتى أصبح أعضاؤه 20180 عضوًا، وأصبح له رصيد ضخم في المصارف [15] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn15).

وأنشأ جمعية "مصر الفتاة" السرية، وأنشأ صحيفة تنطق باسمها هي صحيفة "مصر الفتاة"، ولم يكن فيها مصري واحد؛ كما روى تلميذه محمد عبده في كتاب "أسباب الحوادث العرابية"، وكان أغلب أعضائها من شبان اليهود [16] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn16).

وأنشأ أثناء إقامته في الهند جمعية "العروة الوثقى" السرية، التي امتد نشاطها إلى الشام وإلى مصر وإلى السودان وتونس. وكان من أعضائها الأمير عبدالقادر الجزائري، ومن اختار من أنجاله ورجاله، ومنهم محمد أحمد المهدي السوداني الذي تتلمذ على الأفغاني في مصر أربع سنوات [17] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn17).

وقد حفظ الجزء الثاني من "تاريخ الأستاذ الإمام" لمحمد رشيد رضا عددًا من الرسائل التي تداوَلَها محمد عبده مع أعضاء هذه الجمعية، وهي مليئة بالإشارات والرموز. وبعض هذه الإشارات يدل على أن محمد عبده قد دخل سرًّا إلى مصر؛ استعدادًا لدخول السودان والاتصال بالمهدي، ومر أثناء هذه الجولة بتونس وبالشام، حيث كان يعمل على (إحكام العروة وتمكين عقودها) حسب تعبيره [18] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn18). وكانت صحيفة "العروة الوثقى" التي أنشأها جمال الدين مع تلميذه محمد عبده في باريس هي الصحيفة الناطقة باسم الجمعية السياسية السرية.

ثم أنشأ محفلاً ماسونيًّا تابعًا للشرق الفرنسي، ضم إليه عددًا كبيرًا من أصحاب النفوذ في مصر بمساعدة رياض باشا رئيس الوزراء. وهو الذي استقدمه إلى مصر، وتولى رعايته فيها، وأجرى عليه راتبًا شهريًّا، وأعدَّ له سكنًا في خان الخليلي، ويقال: إنه كان في حارة اليهود [19] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn19).

ويتصل بهذا النشاط السري الذي لازمه في كل مكان تهييجُه على الثورات، وتشجيعه على تأسيس الصحف التي تخدم أغراضه، وتنشر آراءه، وتشيد بذكره، فهو الذي أنشأ صحيفة "مصر". وعهد بإدارتها إلى أديب إسحاق، وكان قد قدم إلى الإسكندرية للاشتراك في التمثيل المسرحي مع سليم نقاش، ثم أسس صحيفة "التجارة" بالإسكندرية، وعهد بإدارتها إلى أديب إسحاق وسليم نقاش، فكانا لا يزالان يُشيدانِ بذكره، في مثل قولهما: "مهبط أسرار الحكمة وإسطرلاب فلك العلوم، وإسطقس هَيُولى الفلسفة"، إلى غير ذلك مما اعتادا أن يصفاه به [20] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn20).

وقد طلب إلى تلميذيه محمد عبده وإبراهيم اللقاني أن يساهما في تحرير صحيفة "التجارة"، وكان هو نفسه يشترك ببعض مقالات، يوقعها باسم مستعار هو (مُظْهِر بن وَضَّاح).

وليس مُهِمًّا أن تكون المبادئ التي تُنشر على الناس وتذاع سليمة أو منحرفة، فالذي يُنْشَر على الناس دائمًا نظيفٌ وسليمٌ. ولكن المهمَّ هو أن الذين يشتركون في التنظيمات السرية يجهلون دائمًا حقيقة أهدافها، ولا يعْرِفون إلا ما يريد رؤوس التنظيم السِّرّي أن يعرفَ بين الناس. والدارس لتاريخ الدعوات السرية في الإسلام، ولتاريخ الباطنية أو الإسماعيلية على وجه الخصوص يرى الشاهد على ذلك في بدْئِهم بالدعوة إلى إعلاء كلمة الله وإنصاف المحرومين، وانتهائهم آخر الأمر إلى عقيدة فلسفية تنكر الأديان، وتخوض في دماء المسلمين. وغاراتهم على قوافل الحُجَّاج، وتنكيلهم بهم في المسجد الحرام أمر مشهور في كتب التاريخ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير