تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد غمس جمال الدين يده فعلاً في الدم الحرام، وكان مستعدًّا دائمًا لأن يغمس يده فيه، فهو مسؤول عن اغتيال ناصر الدين شاه إيران. كان لا يزال يُؤَلِّب عليه في كل مكان منذ طرده من إيران 1891م، وأخرجه من الضريح المقدس عند الشيعة الذي كان قد عاذ به ولجأ إليه، وهو (بقعة حضرة عبدالعظيم المقدسة). فاتصل برجل هارب من إيران يدعى (ميرزا رضا الكرماني) وحرَّضه على قتله، فتسلَّل إلى إيران واغتاله سنة 1896 في المكان نفسه الذي طرد منه الأفغاني [21] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn21)، وقد فكر الأفغاني بموافقة محمد عبده في اغتيال الخديوي إسماعيل أثناء مروره على كوبري قصر النيل، لأن جمال الدين كان متفقًا على برنامج الحكم مع ابنه توفيق، الذي كان قد نجح في ضمه إلى محفله الماسوني. وقد اشترك من بعد مع نوبار باشا في السعي لعزل إسماعيل [22] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn22).

وليس مهمًّا أن يكون الذينَ اشترك في اغتيالهم، أو دبره وفكر فيه، مُفْسدينَ أو مصلحينَ. ولكن المهم هو أنه كان يتخذ الاغتيال وسيلة من وسائله السياسية، ويخوض الدماء في سبيل الوصول إلى أهدافه، وهو ما لا يحله الإسلام، ولا يفعله مسلم يؤمن بالله، ويخشى عذابه، ويقف عند حدوده. وهو يذكِّرُنا مرة أخرى بوسائل الإسماعيلية الباطنية، ولاسيما الحسن بن الصباح صاحب قلعة (ألْمُوت).

إنَّ الدَّارس المدقق لسيرة جمال الدين لا يملك إلا أن يتوقف أمام كثير من الظواهر الغريبة في سيرته. إنه يتساءل: فيمَ تَنَقُّلُه السريع المفاجئ الذي لا يفتر، بين إيران وبلاد الأفغان والهند والحجاز ومصر وتركيا وفرنسا والنمسا وإنجلترا وروسيا؟، وفيمَ هذه الأزياء المختلفة التي كان يلبسها لكل بلد، والتي يحفل بصورها كتاب ابن أخته ميرزا لطف الله خان؟ فهو في زي عربي تارة، وفي زي علماء الشيعة تارة أخرى، ومع جماعة من كبار علمائهم ومجتهديهم تارة ثالثة، وفي طربوش تركي تارة رابعة، وفي زي أفغاني تارة خامسة. فيمَ كل هذا، وباغي الخير لا يحتاج إلى التستر والتخفي، وإنما يتخفَّى المريب؟؟ ومن أين كان ينفق على هذه الرحلات؟ وفيمَ كانت صلته بالمستر بلنت، ذلك الرجل الغريب، الذي كان لا يفتر عن التنقل بين مضارب الأعراب في مصر وفي سورية وفي نجد؟ يدعو المصريين إلى الثورة، ويتكلم بعد وقوعها باسم عرابي، ويقدم له صورًا مضلِّلَة عن صفته الرسمية وقدرته السياسية وقوة الجيوش الإنكليزية، ثم يدافع عنه بعد اعتقاله؟! ويدعو العرب إلى إنشاء دولة عربية؛ لأن الدولة العثمانية على وشك السقوط والانحلال، ولا ينبغي أن يشاركها العرب هذا المصير، فيجب أن يُكَوِّنُوا دولة عربية حليفة لإنجلترا تصبح مقرًّا للخلافة الإسلامية، ويكتب في ذلك كتابه المشهور، الذي سماه "مستقبل الإسلام" ( The Future of Islam)، والذي كان مصطفى كامل زعيم الحزب الوطني في مصر أول مَنْ تَنَبَّهَ إلى خُطُورته؟! فيمَ كانت صلة الأفغاني بهذا الرجل، ينزل ضيفًا عليه عندما زار إنجلترا، ويكتب إلى محمد عبده من بورسعيد وهو في طريقه إليها يطلب إليه أن يكون رده بعنوان المستر بلنت؟ بل فيمَ كانت صلته بإنكلترا، يلجأ إلى سفيرها في الأستانة؛ لكي يساعده على الخروج من تركيا، حين غضب عليه السلطان عبدالحميد [23] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn23)؟

وباسم مَنْ كان يفاوض الإنجليز في الوصول إلى اتفاق مع تركيا ضد روسيا؟ ومع المهدي للاعتراف باستقلال السودان؟ وما هذا الخليط من اليهود والنصارى الذي يجتمع حول الرجل الذي كان صوته أعلى الأصوات في الدعوة إلى الجامعة الإسلامية، وفي التنديد بفساد المجتمع الإسلامي والدعوة إلى إصلاحه؟ سليم نقاش صاحب الكتاب الذي يحمل عنوانًا غريبًا في إبَّان الدعوة إلى الجامعة الإسلامية وهو "مصر للمصريين" شامي نصراني. وأديب إسحاق من نصارى الشام أيضًا. وكان إذا ذكر بعد موته في مجلس الأفغاني جاشت نفسه بالحزن وهو يقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون". وطبيبه الخاص يهوديٌّ يدعى هارون. وقد كان هو ونصراني آخر يدعى جورجي كونجي هما اللذان شهدا احتضاره وحدَهُما [24]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير