تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلتُ له: فلو قلتم: إنَّ الشيخ محمد عبده هو فيلسوف الإسلام، بمنزلة ابن سينا والفارابي، لسَلَّمْنا لكم ذلك، وإن كان خلاف الحقيقة، لأنه لا ضرر فيه علينا، ولا على دِيننا، وأمَّا أن يكون من أفسق الفُسَّاق بترْكه أركانَ الإسلام، ومع ذلك تقولون عنه: إنه في دين الإسلام إمامٌ، فهذا شيء مُنْكَر، لا يَقبَله أحدٌ من ذوي الأحلام. فقال الشيخ رشيد: نحن لا نعتبره مثل ابن سينا، ولكن نعتبره مثل الإمام الغزالي. فانظر - رحمك الله - لهذا الضلال وهذه المكابرة! فإنه يُسَلِّم أنَّه كان تاركًا لِلصلاة والحج، وأنه كان مسونيًّا، ويقول: إنه مثل الغزالي. وفي الحقيقة، كل واحد من هذه الفرقة الضالَّة يعتقد نفسه أجلَّ من الغزالي، لأنهم يدَّعون الاجتهاد المطلق - صغيرهم وكبيرهم - والإمام الغزالي لم يَدَّعِ الاجتهاد المطلق؛ بل صرح في "الإحياء" بعدم وجود المجتهد المطلق في عصره بقوله كما هو في حُكْم جميع أهل العصر، وكذل الفخر الرازي صرح بذلك، وغيرهما من الأعلام. وهؤلاء الجُهَّال كلُّ واحد منهم يَعُدُّ نفسَه بمنزلة الأئمة الأربعة، رضي الله عنهم. وقد رسخ هذا الضلال في نفوسهم الخبيثة، فليس لِلموعظة فيهم أدنى تأثير، وهم يجتهدون في أن تكون الناس على شاكلتهم ضالّين مُضِلّينَ، ومع هذا الفساد العظيم يزعمون أنهم هم مصلحون لهذا الدين المبين. ولا شك أنهم من جملة الذين شمِلَهم قوله – تعالى - في سورة البقرة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11 – 12].

وناقش النبهاني دعوى الاجتهاد في موضع آخر من كتابه فقال [63] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn63):

" واعلم أن هؤلاء المفتونين يدَّعون الاجتهاد المطلق، واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، ويرفضون المذاهب الأربعة مع جهلهم المركَّب، وفِسقِهم المحقَّق، وتهتُّكِهم في أنواع المعاصي من الكبائر والصغائر وسائر الآثام، وتركِهم ما عدا الشهادتين من أركان الإسلام، فلا صلاة ولا زكاة ولا حج ولا صيام. ومع كونهم كالأنعام أو أضلَّ من الأنعام يَدَّعي كل واحد منهم أنه من أئمة الإسلام، ويدعو الناس إلى الاجتهاد حتى العوامّ، وهم مع كُلّ ذلك لا يتقَيَّدُون بالحلال والحرام، وإنَّما دِينُهم كلام في كلام، وصارت أحكام الدين عندهم كلَّ ما خطر ببالهم، ووافق أغراضهم، وجرى على ألسنتهم، من الألفاظ المنمَّقة، والمعاني الملفَّقة، التي تلقَّفوها من مقالات الفلاسفة وكُتَّاب الإفرنج، مما لا يوافق دِين الإسلام، ولا يقوله مَن عنده في هذا الدِّين أدنى إلمام، فينشرونه في كتبهم وجرائدهم بصفة تُرضي إخوانَهم مُرَّاق المدارس، وفُسَّاق العوام، الذين لا يبالون بالإسلام ولا بأحكام الإسلام. وقد يستدلون على غير فَهْم وعِلْم ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ لِيُوهِموا العوامَّ أنَّهُمْ إنَّما يأخذون من الكِتابِ والسُّنَّة ما يُلَفِّقُونَهُ مِنَ الأَحْكَامِ".

ثُمَّ قال: "إن هؤلاء المفتونين الضالِّين قد مشَوْا ببدعتهم على أثر البروتستانت من النصارى، الذين يَدَّعون إصلاح دينِ النصرانية، بترْكهم العملَ بأقوال أئمتهم السابقين، والاقتصار على ما في التوراة والإنجيل من أحكام الدين. وقد أخطأ هؤلاء الطَّغام بتقليدهم أولئك الأقوامَ؛ لأنَّ ما زاده أئمتهم على التوراة والإنجيل ليس له أصل فيهما، وإنَّما هو من ترتيب مجامعهم، أمَّا أئمَّة الإسلام، فلم يَزيدوا على الكتاب والسنة شيئًا من عند أنفسهم؛ بل جميع أحكام المذاهب الأربعة مأخوذة من صريح الكتاب والسنة، وهو أكثر الأحكام، أو مستندة إلى القياس الصحيح عليهما أو على أحدهما. فليس هناك حُكْم في المذاهب الأربعة خارج عن الكتاب والسنة من كل الوجوه، ولا يمكن أن يستعملوا القياس إلا إذا لم توجد آية أو حديث يصلح للاستدلال".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير