تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان الشيخ طاهر الجزائري حسن الطلعة، معتدل القامة والجسم، حنطي اللَّون، واسع الجبهة، أسود الشَّعر والعينين، ذا لحيةٍ كثيفة، عصبي المزاج، سريع الحركة، واسع الخطوة.

وكان معتصماً بدينه، متمسِّكاً بأحكامه، لم يُعهد عليه منكر، ولم تُؤثر عنه فاحشة، ولم يُعرف عنه تساهل في تنفيذ أحكام الإسلام وشرائعه.

وكان مع فقره وضيق ذات يده، يؤثر الفقراء والمساكين على نفسه.

أما حبُّه للعلم، فقد أُثر عنه أخبارٌ كثيرةٌ سارت بها الركبان، وكان لا يترك مزاولته في أي وقت من أوقاته، ما بين قراءةٍ وتنقيحٍ، وتنقيبٍ وتأليفٍ، وكانت فرشه محاطةً بسور من الكتب والأوراق والمحابر والأقلام.

وكان من عادته في الأربعين سنة الأخيرة من حياته ألا ينام حتى يصلِّي الصُّبح، يسهر مع أصحابه في أوَّل الليل، ثم يعود إلى حجرته في مدرسة عبد الله باشا العظم ليقرأ ويؤلِّف حتى يطلع الفجر.

أما زهده؛ فقد كان الشيخ لا يعرف الرَّفاهية والنَّعيم، ولا يبالي بطيب المطعم، ولين المضجع، وفاخر الأثاث، وكان يرتدي ثياباً باليةً من غير تأنُّق ولا زينة.

وكان على درجةٍ رفيعةٍ من الإحساس بالآخرين، يأرق لجاره وصاحبه إن علم أنَّ مصيبةً نزلت بأهله أو ماله، ويهرع لمواساته بكل ما تملكه يداه، ولما أراد له أحد أصحابه في القاهرة خلال الحرب العالمية الأولى أن يغيِّر جبَّته وقد بليت أطرافها، أجابه: يا فلان! تريد مني اقتناء جبة جديدة، وأهل الشَّام يموتون من الجوع؟!.

حياته العامة وأثره العلمي والاجتماعي:

1 - نشاطه العلمي والاجتماعي:

أ – في التدريس:

بدأ الشيخ طاهر حياته العلمية معلِّماً في المدرسة الظَّاهرية الابتدائية، سنة 1294هـ-1878م، وانطلاقاً من هذه المدرسة بدأ الشيخ يبثُّ أفكارَه الإصلاحية.

وفي العام نفسه اتَّفق الشيخ طاهر مع كلٍّ من الشيخ علاء الدِّين عابدين وبهاء بك أمين سر الوالي على تأسيس جمعيةٍ علميةٍ اجتماعية، تكون في موقع الاستجابة لتحدِّي النَّشاط التَّعليمي للإرساليات التَّبشيرية الأجنبية. وأُسست الجمعية بالفعل وأُطلق عليها اسم (الجمعية الخيرية الإسلامية)، وانتظم في عداد أعضائها نخبةٌ من علماء وأعيان دمشق، وتولَّى رئاستها الشيخ علاء الدين عابدين.

وقد حظيت الجمعية بتشجيع ودعم الوالي مدحت باشا، وتمكَّنت من افتتاح ثماني مدارس للذكور ومدرستين للإناث.

في نهاية عام 1295هـ-1879م تحولت الجمعية إلى ديوان المعارف، وعُيِّن الشيخ طاهر مفتِّشاً عاماً على المدارس الابتدائية، وظهرت حيويَّة الشيخ البنَّاءة، إذ بدأ في تأليف عددٍ من كتب مناهج الصفوف الابتدائية في العلوم الدِّينية والرِّياضية والطَّبيعية.

أما نشاطه الأهمُّ في هذا الوقت فكان إقناعه الآباء بوجوب إرسال أولادهم إلى المدارس ليتعلَّموا، وكان لهذا الأمر أثرٌ كبيرٌ في تنشيط الحركة التَّعليمية في سورية.

وقد سعى الشيخ في هذا الوقت أيضاً إلى إنشاء مطبعةٍ حكوميةٍ قامت بطبع المؤلفات العامة والكتب المدرسية.

ب – أثره في تأسيس المكتبات العامة:

في سنة 1296هـ-1880م تمكَّن الشيخ بمعاونة بعض أصدقائه وبدعمٍ من والي دمشق، من جمع الكتب المخطوطة والنَّادرة في مكانٍ واحد، اختاره الشيخ ليكون أول مكتبةٍ عامةٍ في تاريخ دمشق الحديث، وهو المدرسة الظاهرية، التي تحولت فيما بعد إلى المكتبة الظاهرية.

وقد أولى الشيخ طاهر هذه المكتبة بعد إنشائها كلَّ عنايته، فكان يبتاع لها كلَّ ما تقع يده عليه من نفائس الكتب والمخطوطات، ويدفع أهل الخير إلى شراء الكتب وإهدائها إلى المكتبة.

وامتد نشاط الشيخ في هذا المجال إلى المدن السُّورية الأخرى، فكان يحضُّ أهل كلِّ بلدٍ يغشاها في جولاته الدَّعوية على تأسيس المكتبات والمدارس.

وفي هذا العام نفسه عهدت إليه الحكومة العثمانية بوظيفة التَّفتيش على خزائن الكتب في ولاية سورية ومتصرِّفية القدس، فأعان الشيخ راغب الخالدي في إنشاء المكتبة الخالدية في القدس، وأعد لهذه المكتبة فهرساً خاصاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير