وقل الأمر نفسه في المسائل الفقهية العملية، كما هو الحال في مسألة جماع الزوجة بعد طهرها من الحيض، حيث كان الشيخ يرى أنه يكتفى بانقطاع الدم دون الغسل، ثم تراجع عنه إلى قول الجمهور، وهو عدم جواز الجماع إلا بعد الغسل.
وهذا الأمر – أعني تراجعه إذا تبين له الحق – استغله بعض الجهلة والحساد لبيان أن ذلك من تناقضه ولم يدر هؤلاء أن هذا من أعظم أخلاق الدين، وقد قل أهله في هذا الزمان، فكم من إنسان جادل بالباطل من بعد ما تبين له الحق فأصر مستكبراً كأن لم يسمع الحق؟!!
والشيخ برأه الله من ذلك وكتبه طافحة برجوعه عن أقواله التي تبين فيها خطؤه ملياً، ولم ينقصه ذلك بل رفعه الله به، ولكن عند المنصفين العقلاء، وهذا هو المهم، والأهم أنه كان يراقب ربه ولا يهمه ما يقال بعد لك.
تعظيمه لاعتقاد السلف ومنهجهم
وقد كان الشيخ رحمه الله من أعظم المدافعين والمنافحين عن دين الله عز وجل في هذا القرن، حتى عدَّه بعض الأفاضل – وهو الشيخ مقبل الوادعي - من المجدِّدين لهذا الدين، وقد سلك سبلاً كثيرة في توضيح اعتقاد السلف الصالح والدفاع والذب عنه، فكان أن أخرج للناس مختصر العلو للذهبي وضمنه تلك المقدمة الماتعة في بيان اعتقاد سلف هذه الأمة، وبيان زيغ أعدائها وضلالهم.
وكذلك أخرج للناس كتابه ((تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)) وقد حذر فيه كثيراً من عمل المشركين الذي سرى إلى المسلمين في بناء الأضرحة والمقامات ودعاء الأولياء الأموات، والذبح والنذر عندها.
وأما منهج السلف وفهمهم للكتاب والسنة، فقد كان رحمه الله من أعظم المتمسكين به في نفسه، الداعين له من خلال كتبه وأشرطته، وقد كان قوله تعالى: ((ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً)) شعاراً له رحمه الله.
كتبه ومؤلفاته
وهي بحمد الله كثيرة نافعة، ولا يُعلم له رسالة مكررة أو أنه يمكن للباحث أن يستغني عن العلم الذي فيها، وقد بلغ المطبوع منها أكثر من 40 ما بين تحقيق وتأليف، وله من المؤلفات المخطوطة في خزانته ما لعله أن يبلغ ضعف هذا العدد.
وقد نفع الله بكتبه كثيراً من الناس، فنهلوا من علمها واستفادوا من التحقيق الذي فيها، وإن كان بعضهم سطا عليها سرقة منها دون أن يشير ولو بأدنى إشارة أنها لغيره، ويصدق على هذا قوله تعالى: ((ولا تحسبن الدين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا .. )) وينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: ((المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)).
ثناء العلماء عليه
وقد أثنى عليه أهل العلماء ثناء عطراً، وهو يستحق أكثر منه، فقد قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ((ما علمت تحت أديم السماء أعلم بالحديث من الشيخ الألباني))، وللشيخ محمد بن صالح العثيمين ثناء عليه وقد وصفه بالعلامة المحدث، وقد أثنى عليه غيرهما، وقيلت فيه أشعار لطيفة يمكن للقارئ أن ينظرها في كتاب ((حياة الألباني)) لأخينا محمد بن إبراهيم الشيباني.
عداءُ أهل البدعة له
لا يحب الألباني إلا صاحب سنَّة، أو فطرة سليمة، ولا يبغضه إلا صاحب بدعة، أو جاهل بقدره، وقديماً قال السلف: ((من علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر)).
وقد تكالب على الشيخ رحمه الله أهل البدع والضلال من جميع الطوائف والفرق، فكان رحمه الله كالطود الشامخ يرد على هذا، ويفند شبهة هذا، حتى أتى على بنيانهم من قواعده فخر عليهم السقف من فوقهم.
فتوى الهجرة من فلسطين
وقد شنع على شيخنا بعض المشاغبين من أهل الجهل؛ فراح يُلبس الشيخ رداءً ليس له، ويحمِّل كلامه ما لم يحتمله، أو يزوِّر الحقائق التي أتى بها الناس.
وملخص هذه المسألة أن الشيخ رحمه الله سئل عن أناس يعيشون في بلادٍ لا يستطيعون إظهار شعائر دينهم فيها، فقال لهم الشيخ بوجوب الهجرة إلى بلاد يستطيعون فيها ذلك استدلالاً بقول الله تعالى: ((قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)) وهذا تبكيت من الملائكة لمن ظلَّ بين الكفار أو العصاة فأثر ذلك في دينه فاحتج على فعله بغيره.
¥