والتلخيص الحبير لابن حجر وغيرها من الكتب. وقد قام بتخريج كل الأحاديث النبوية في السنن الأربعة والموطأ وأرفق أحكامه عليها في كتاب "جامع الأصول" المطبوع بتحقيقه.
شيخنا –حفظه الله– من المهتمين جداً بتراث شيخي الإسلام ابن تيمية و ابن القيم. و هو معروفٌ لدى فقهاء الشام بأنه يُفتي بما كان عليه شيخ الإسلام في مسائل الطلاق عدا مسألة طلاق الحائض (فلِلْشيخ فيها رأي عملي آخر، لأن فيها نظراً كبيراً يوقف عنده). و يَذكر الشيخ عن نفسه أن من أوَّلَ ما أثَّر في نفسه في مبتدأ الطلب: كتاب "الوابل الطيب" لابن القيم. وشيخنا سَلَفِيٌّ صَرْفٌ، يحب السلفيّين و يجتمعون عنده. و لا شك أنه اليوم –بعد وفاة الشيخ ناصر– شيخ سلفيي الشام و مُحَدِّثَها بلا مُنازع. و يفرق عن الشيخ الألباني في طريقة الدعوة و الأسلوب المنتهج فيها. فقد قال هذا من يعرف الشيخين: إن الله جعل للشيخ عبد القادر القبول في دعوته بالشام، ما لم يجعل للألباني رحمه الله. و هذا لأن الشيخ حفظه الله كان ألْيَنَ و أسهَلَ مع المُخالف ترغيباً له في الحق و الهدى. و هذا ليس مطرداً مع المعاندين من أهل البدع.
و أستطيع أن أقول –و العلم عند الله– إن الشَّبَهَ بين ابن تيمية و شيخنا لكبيرٌ جداً. خاصةً في باب الدعوة و سبيلها. فإنك تندهش من اجتماع العامة على الشيخ عبد القادر، تماماً كما يذكر أصحاب الشيخ عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. و وَالله ما سمعت بصفةٍ ذكروها عن شيخ الإسلام ابن تيمية، إلا وقد وجدتها عند شيخنا عبد القادر.
لكن الشيخ عبد القادر عندما يسأل هل أنت سلفي؟ يقول –حفظه الله–: «الحقيقة في أن يلتزم الإنسان منهج السلف شيء، وأن يدَّعي أنه سلفي شيء آخر. أنا لا أقول عن نفسي: "إني سلفي"، بل لا أملك ذلك. وإنما أحاول قدر ما أستطيع أن أعمل بمنهج السلف وأقوالهم. وإذا ما سألتَ عن مذهبي أقول: أنا مسلمٌ أعود إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله r وأقوال الأئمة بأدلتها. وأعمل بما هو الأقوى والأرجح الذي رَجّحهُ العلماء على منهج السلف الصالح». أقول: هذا حال من هو سلفيٌّ حقيقةً. فكيف حال من يدعيها و هي تَفِرُّ منه؟ نسأل الله السلامة.
قصة طرده من مجلس الشيخ الفرفور و ظهور سلفية شيخنا
لقد كان شيخنا عبد القادر تلميذا -كما أسلفنا- للشيخ صالح الفرفور، قرأ عليه -كعامة من كان يقرأ في معهد الفتح- من علوم العربية و المعاني و البيان و البديع و الفقه و التفسير الكثير في مدة تقرب من عشر سنوات. و كان مما قرأه من كتب الفقه الحنفي: حاشية ابن عابدين، و حاشية الطحطاوي، و نور الإيضاح، و مراقي الفلاح، و غيرها.
و كان أثناء قراءته على الشيخ صالح في الحاشية لابن عابدين، تمرُّ بهم أحاديث، فيسأل الشيخ عبد القادر عنها صحة و ضعفا و نحو ذلك، فكانت الكلمة المشهورة المتداولة على ألسنة الصوفية تخرج من فم الفرفور كالسهم: «لا تعترض فتنطرد»!
و في إحدى المرات اشترى شيخنا كتاب "الوابل الصيب" لابن القيم من إحدى المزادات بدمشق، و لما لم يكن له مكتبة يومئذ. و كان الشيخ عبد الرزاق الحلبي متميزاً في ذلك، حيث كانت له مكتبة خاصة في جامع فتحي، أراد الشيخ أن يلحقه بمكتبته. فعلم بذلك رمزي البزم –و كان أكبر طلاب الفرفور سِنّاً– فقال بعد أن سمع بوضع شيخنا للكتاب بمكتبة الحلبي، بعد أن أنهى الفرفور درسه بالأموي: «عبد القادر، الليلة عندك محاكمة»!! هكذا مع إحداث ضجة في حلقة الدرس. و فعلا أشار إليه الفرفور و إلى الحلبي و إلى البزم أن قوموا إلى مكتبة الشيخ عبد الرزاق، و هنا جرت المحاكمة و هذا سياقها:
قال الفرفور للشيخ عبد القادر: لِمَ جئت بالكتاب؟ (يريد: الوابل الصيب).
قال شيخنا: «لأني قرأت في مقدمته: في الذكر مئة فائدة، ثم سردها».
فقال الفرفور: هل تعرف ابن القيم تلميذ من؟
قال شيخنا: «تلميذ ابن تيمية».
قال الفرفور: نحن نقرأ لابن تيمية؟! قم و خذ صاحبك معك –يعني الشيخ شعيب–. ثم جرت أحداث، لها موضع آخر. و الله يحفظ شيخنا العلامة المربي بقية السلف: عبد القادر الأرنؤوط، و يطيل في عمره على طاعته، ويبقيه شوكة في حلق المبتدعة.
موقفه من بعض مسائل عصره:
1– مسألة الطلاق الثلاث بمجلس واحد هل يقع واحدةً أم ثلاثاً؟
يقول الشيخ في فتواه لهذه المسألة:
¥