ومن مشايخه: الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ. وهو أكثر من لازمه, وقرأ عليه, وكان له حظوة عنده, حتى إنه يعده كواحدٍ من أبنائه, ولهذا قرَّبه, وأدناه, وجعله أميناً لمكتبته, وكان يرافقه في كثير من رحلاته وأسفاره, وكانت فرصة سانحة للنهل من علم هذا الإمام, والقراءة عليه, وقد قرأ عليه الوالد الروض المربع, وأصول الأحكام لوالده, وكذا حاشية الروض- قبل أن تطبع- وألفية ابن مالك, وشرح الطحاوية, وغيرها كثير ... , وكان الوالد رحمه الله يذهب إلى الشيخ محمد بن إبراهيم بعد العشاء الآخر؛ ليقرأ عليه عدداً من الكتب, تحضيراً لدروس الغد ... , كما كان يقرأ عليه ليلة الجمعة من خطب الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ تحضيراً لخطبة الجمعة التي يخطبها الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
ومن مشايخه أيضاً: الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي, حيث قرأ عليه في أصول الفقه .. , والشيخ/ إسماعيل الأنصاري, وقد قرأ عليه في مصطلح الحديث ..
وبعد أن توفي الشيخ محمد بن إبراهيم عيّن أميناً لمكتبة كلية الشريعة بالرياض, إلى أن تقاعد سنة 1406ه تقريباً, ثم اشتغل بعد ذلك في التأليف, فألَّف في الحديث كتاب "المنتخب من أدلة الشريعة" في مجلد, وفي الفقه كتاب "العمدة في فقه الشريعة" في مجلد, وفي التفسير كتاب"تفسير القرآن بالقرآن والسنة والآثار وبالأسلوب الحديث" في ستة مجلدات, وفي الوعظ والإرشاد كتاب"توجيهات ورسائل مهمة" في غلاف, ومجموعة خطب اشتغل عليها قبل وفاته, ولم تطبع بعد.
وقد اهتم- رحمه الله- بالدعوة إلى الله, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكان تذكير الناس, وتعليمهم, صبوحه, وغبوقه, ولذا بقي أكثر من عشرين عاماً, يخرج يوم الجمعة إلى المحافظات والقرى؛ ليخطب بالناس, ويذكرهم, ويفتي عوامهم ... , فيخرج من منزله صباحا أو ضحى, ولا يعود إلا في المساء, وكان يقول: هم أحوج للتعليم من أهل المدن ... , ووقت العزاء حضر, واتصل, من أصحاب المحافظات والقرى, عدد كبير, كلهم يعزي في وفاته, ويذكر زياراته المتكررة لهم, سواء من الأحساء, أو من الأفلاج, أو من جلاجل, أو من سدوس ... الخ ..
وكان- رحمه الله- من حرصه على دعوة الناس, يخرج من منزله بعد أذان الفجر مباشرة, ليوقظ أهل الحي لأداء الصلاة في المسجد, وذلك عبر مكبر الصوت الذي يمسكه بيده, فيدعوهم إلى الصلاة, متنقلاً بين الأزقة والسكك, وطالما اعترض عليه بعض الناس, فما فتَّ ذلك من عضده, وما أوهن من عزيمته, إذ استمر على ذلك أكثر من ثلاثين عاما ... !! ومن عباراته التي طالما كان يرددها لإيقاظ الناس للصلاة:
"الصلاة ... أدركوا الصلاة ... صلوا في المسجد .. صلوا مع المسلمين .. صلوا هداكم الله .. "
ثم ينتقل إلى الطرف الثاني من الزقاق, فيقول:"أدركوا الصلاة ... لا تشبهوا بالمنافقين ... أيقظوا أولادكم وخدمكم للصلاة .. فإنكم مسئولون عنهم يوم القيامة .. "
ثم ينتقل للسكة الأخرى, وهو يلتفت بالمكبِّر يميناً وشمالا, فيقول:"الصلاة .. الصلاة ... وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ... الصلاة ... أدركوا الصلاة ... "
ثم ينتقل للطرف الثاني من السكة, فيقول:"الصلاة .. الصلاة ... اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ... أدركوا الصلاة .. "
ثم ينتقل إلى الحي من الجهة الأخرى, ويقول:"الصلاة .. أدركوا الصلاة ... فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا .. "
يقول ذلك بصوت رخيم جميل, لا يملك من يسمعه إلا أن يرعي له سمعه حتى يفرغ من النداء, وأحياناً لا يملك السامع إلا أن تذرف عيناه بالدمع؛ لتسلل الخشوع إلى النفس ضرورةً؛ لعذوبة صوته, وخشوع تلاوته, ثم إذا بقي على إقامة صلاة الفجر خمس دقائق اتجه إلى المسجد, فأدى سنة الفجر, ثم أقام الصلاة ... , يفعل ذلك أربعة أيام في الأسبوع أو خمسة .. , صيفاً, وشتاءً, ويحتج لفعله هذا بفعل علي رضي الله عنه, حين كان يخرج, وينادي: الصلاة .. الصلاة .. , وقد قتل رضي الله عنه, وهو ينادي لصلاة الفجر ... , فكان الوالد يحتج بفعل هذا الخليفة الراشد, وهو اجتهاد منه رحمه الله, وقد كان يفرح بهذا النداء عدد من جيران الحي في العليا, ولم يزل جيران الحي في الجرادية والشميسي يذكرون ذلك قبل أكثر من ثلاثين عاما, ويدعون له كلما ذكروه, وهذا الجهد المضني, وإن فرح به البعض, فقد شرق به آخرون ... "ولا يزالون
¥