نعم لقد مالت جماهير العلماء إلى المذهب الأشعري فأصبحت له مدرسة لها الكثير من الأتباع الذين يدافعون وينصرون هذا المذهب فوقع بينهم وبين دعاة المذهب السلفي مناظرات وردود كثيرة وصلت إلى حد اتهام بعضهم بعضا بالضلال والبدعة وبالمقابل هناك الكثير من العلماء المعتنقين لعقيدة السلف من اعتبر الأشاعرة من أهل السنة والجماعة فما موقف الشيخ أحمد حماني وما حكمه على الأشاعرة؟
إن الشيخ –رحمه الله- يقرر أن الأشاعرة من أهل السنة والجماعة وبرهان ذلك ما قاله في فتاويه (1/ 261): "ومن تمعن في نصوص الشريعة جيدا ودرس حجج الفرق المتنازعة بإنصاف حكم بأن الحق بجانب أهل السنة والجماعة الذين منهم الشاعرة".
وهذا الذي قال الشيخ-رحمه الله- ذهب إليه الكثير من أهل العلم نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر العلامة السلفي مبارك الميلي الذي يقول: "وانقسم أهل السنة إلى سلفيين يؤمنون بآيات وأحاديث الصفات كما جاءت ولا يعتمدون على الكلام وإلى أشاعرة يعتمدون على الكلام ويؤولون بعض آيات وأحاديث الصفات". 13
ورغم كل ذلك إلا أنه يقرر أن مذهب السلف هو الأسلم حيث يقول: "ومن أعظم علماء الأشعرية أبو بكر بن الطيب الباقلاني وإمام الحرمين وأبوه الجويني وأبو حامد الغزالي وفخر الدين الرازي ومع ذلك فإن مذهب السلف بقي هو أسلم المذاهب وأبعدها يرجع إليها أساطي المتكلمين بعد إفناء أعمار في صوغ حجج المتكلمين والمجادلة بها 14 " وهذا النص الأخير واضح في ترجيح الشيخ أحمد حماني لمذهب السلف عليهم رضوان الله.
ج-موقفه من البدعة:
كتب الشيخ أحمد حماني في كتابه الصراع (1/ 27) كلاما نفيسا عن البدعة حق أن يكتب بماء العيون حيث يقول: "إن الصراع بين السنة والبدعة لقائم مستمر منذ القديم وعلى مدى الأجيال والقرون، لأنه في الحقيقة صراع بين الشريعة وقيامها ودوامها واستقرارها نقية كما جاء بها صاحبها وبين محاولة هدمها وتحريفها ومحق دولتها وأهلها".
فما هي البدعة؟ عرفها الشيخ أحمد حماني فقال: "كل ما خرج عن سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القولية أو الفعلية أو الإقرارية وخالف طريقه وهديه وما جاء به من الدين فهو بدعة لأنه جاء على غير مثال ما شرعه الله والرسول للخلق".
واختار لها أيضا تعريف الإمام الشاطبي في الاعتصام بقوله: "طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى"
ويشرح هذا التعريف أكثر بقوله: "ومن اخترع شيئا من عنده ليعبد الله فهو مبتدع ومن ترك شيئا مباحا يريد أن يتقرب بتركه إلى الله فهو مبتدع".
وبقدر ما كان الشيخ أحمد حماني –رحمه الله- شديد الدعوة إلى الكتاب والسنة والعض عليها بالنواجد فإنه شديد التحذير من البدع والضلالات ولهذا فإنه –رحمه الله- لم يكن من دعاة تقسيم البدعة بل كانت عنده البدعة واحدة قبيحة كلها ضلالة في النار هي وصاحبها وليس فيها مستحسن بل كل البدع مستهجن، ولقد شن أيضا حربا على البدع والمبتدعين حتى ولو صدرت هذه البدعة من المسؤولين الكبار في الدولة أو العلماء بل حتى لو انتشرت هذه البدعة بين الناس.
ومن المسائل الدالة على أن الشيخ كان صارما في رد البدعة حتى ولو انتشرت بين الناس وتلقوها بالقبول والاستحسان مسألة الدعاء جماعة عقب الصلاة المفروضة وهذه في الحقيقة مسألة في غاية الأهمية إذ أن هذه البدعة تعارف عليها الناس وأصبحت عندهم من المسلمات التى لا مجال للنقاش فيها، ضف إلى ذلك فإن العامة تحب مثل هذه الأمور الجماعية لأنها تبعث فيهم النشاط وحب العبادة، لذلك فإن مثل هذه المسائل هي الفاصل الحقيقي بين العالم الذي لا يستطيع مخالفة ما تفعله العامة خوفا على مكانته بينهم وبين العالم الذي لا يخاف في الحق لومة لائم حتى ولو رماه الناس بالجهل واهتزت مكانته بينهم.
فقد سئل –رحمه الله- عن هذه المسألة كما جاء في الفتاوى (1/ 135) فبين أن هذا الأمر من البدع التي يجب محاربتها في المساجد وأتى بأدلة نقليه صريحة في ذلك وختم جوابه ببيان الطريقة المثلى للقضاء على هذا النوع في مساجدنا وفي أوساط المصلين.
¥