تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[علاقتي بالشيخ محمد الصالح رمضان رحمه الله]

ـ[الطيب العقبي]ــــــــ[29 - 07 - 08, 11:58 ص]ـ

الشيخ والأستاذ محمد الصالح رمضان رحمه الله ... لم يكن قط هذا الاسم بالغريب على مسمعي، فمنذ بدأت القراءة، والاهتمام بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وخاصة برئيسها الشيخ عبد الحميد بن باديس، كان هذا الاسم يمر بين يدي في أكثر من مناسبة، ولعل أول مناسبة جمعتني وعرفتني بهذا الاسم كانت خلال انكبابي على قراءة كتاب " العقائد الإسلامية " للشيخ بن باديس رحمه الله هذا الأثر القيم الذي يعود الفضل في حفظه ونشره إلى الشيخ محمد الصالح رمضان الذي قدم له بمقدمة وصدره العلامة الإبراهيمي بتصدير رائع ماتع، وكنت أعتقد سنينا طوالا أن الشيخ رمضان من الذين قضوا نحبهم، ولم أبحث في سيرته ولا في بقية أعماله، لذا حرمت نفسي من معرفة جوانب كثيرة في هذا المصلح، ولكن شاء الله أنني وأثناء التحضير لمذكرة التخرج الجامعية التي كانت حول الشيخ الجيلاني الفارسي الأصنامي وأثناء سؤالي عن من يفيدني في هذا الموضوع وجهني أحد الإخوة مشكورا للشيخ محمد الصالح رمضان، وهنا عادت بي الذاكرة لتلك الأيام التي قرأت فيها مقدمته لكتاب العقائد، وسألت الأخ الذي أرشدني "وهل يزال الشيخ على قيد الحياة؟ " فأجابني والدهشة تعقد لسانه:" ومن قال لك بأنه مات"؟ فقلت:" إذا يكون الآن في سن متقدمة جدا" فقال:" لي بالفعل هو قد جاوز التسعين من العمر".

وبعدها أعطاني رقم هاتفه المنزلي وعنوانه، وبالفعل بدأت في تحضير نفسي لهذا اللقاء التاريخي وكنت متوجسا أن يحول دون اللقاء به مثل الخبر الفاجع الذي مر بنا يوم 23 جويلية 2008م، وكان أخشى ما أخشاه أن يفوتني تقبيل يد هذا الشيخ الجليل التي صافحت يوما ما الشيخ بن باديس رحمه الله، في البدء كلمته وتواعدنا على موعد، وكم كنت مسرورا ومبتهجا أن يكلمني الشيخ بصوته الدافئ الحنون وعربيته الفصحى التي لا يتنازل عنها أبدا، وفي اليوم الموعود ركبت الحافلة من بوزريعة إلى القبة ـ بن عمار ـ مقر سكناه، وتهت بعض الشيء في طريقي وسألت عن منزله كثيرا والحمد لله اهتديت في الأخير إلى بيته الذي كنت أعتقد أنه فيلا أو قصر أو ما شابه، فكان منزله متواضعا في حي شعبي ببن عمار، دققت الباب دقات خفيفة، ولا من مجيب، سبحان الله ما العمل الآن، واصلت الطرق ولا من مجيب كذلك، توجهت مسرعا لأحد الهواتف العمومية اتصلت به رفع سماعة الهاتف وخاطبته أني أمام داره فوجهني للدخول من الباب الخلفي حيث كان ينتظرني هناك، ولما رأيته رحمه الله اقشعر جسمي وكدت أذرف دمعا، رأيته هيكلا نحيلا مجرد جلد على عظم، وفي حاله لا شعورية انحنيت و انكببت على يده أقبلها مرارا، وهو يطمئنني بتمرير يده البيضاء على شعري، ثم قمت لتقبيل جبينه ووجنتيه إجلالا واحتراما له، ثم عانقته عناقا حارا، وهو يدعوني للكف والدخول تواضعا، وبعد ترحيبه بي ودخولنا لغرفة الاستقبال التي كانت دافئة ومرتبة وأنيقة جدا تزهو على حيطانها شهادات تقديرية وصور تذكارية، وقصائد شعرية،أخذت مقعدي في هذا الجو المهيب، وأخذت في تقديم نفسي للشيخ والغرض من زيارتي، قال لي يا ولدي لو أتيتني قبل الآن بعامين لاستفدت مني كثيرا ولكن يا ولدي أتيتني في أرذل العمر الذي يقول الله عنه:" ومنكم من يُتَوفّى، ومنكم من يُرَدُّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً"

وأنا أقول البركة فيكم يا شيخ وإن شاء الله نستفيد منكم، ولو لم أستفد إلا الالتقاء بكم لكان خيرا كثيرا، وأخذت معه في الغرض الذي أتيته من أجله وأفادني كثيرا على عكس ما كنت أتوقع، وكانت ذاكرته لا تزال بخير وصوته وسمعه كذللك، ولما انتهيت من أسئلتي المنهجية، أخذت أتجاذب وإياه أطراف الحديث حول حياته وكتبه وأعماله واكتشفت مدى موسوعية الرجل فوجدته أديبا شاعرا مؤرخا فقيها مصلحا متابعا للأحداث كثير المطالعة كثير التأليف ووجدت بين يديه عدة كتب من تأليفه أحدها رحلته إلى بولونيا كتبها نثرا وشعرا، وآخرين حول السيرة النبوية فيما أتذكر، وخصني بحقائق أعتقد أنه لا يعلمها كثير من الناس مثل وفاة الشيخ بن باديس وزواجه وطلاقه وابنه محمد عبده إسماعيل، والشيخ الطيب العقبي وغيره، أتمنى أن تتحاح لي فرصة نشر هذه الحقائق في فرصة لاحقة إن شاء الله، وإن أسف فإنني آسف أشد الأسف على تضييعي للحوار الذي كنت قد سجلته مع حضرته رحمه الله الذي ضاع مني بضغطة زر سهوا ولا حول ولا قوة إلا بالله، دام هذا اللقاء أكثر من ثلاث ساعات من بعد العصر إلى قبيل آذان المغرب، وكنت مبتهجا أشد الابتهاج بهذا اللقاء ومسرورا به أشد السرور، كنت أرى نفسي بعد هذه الزيارة كأنني صرت حلقة في سلسلة ذهبية، تصلني بالشيخ بن باديس والشيخ الإبراهيمي والشيخ العقبي وغيرهم ممن يتمنى كل واحد منا أن لو كان معهم، فالجلوس مع الشيخ محمد الصالح رمضان كالسفر عبر التاريخ، يحدثك فتعتقد أنك الآن في أحد شوارع قسنطينة العتيقة أو أحد مساجدها الأربعة، ينقل لك صورا غابرة بدقة وأمانة متناهية وكأنها وقعت اللحظة، له قدرة عالية على التصوير والتحليل، وكان رحمه الله يحب كل شيء عتيق تذكره به أو تقدمه له، قدمت له شهادة بخط يده كتبها للشيخ الفارسي سنة 1962م فعرف خطه واستغرب كيف وصلت إلي فقلت له هذه وظيفة الباحث.

كثير من الناس لا يعرف بأن الشيخ محمد الصالح رحمه الله تبرع بكل مكتبته الخاصة وكل وثائقه وصوره إلى الأرشيف الوطني ليستفاد منها على نطاق واسع جدا، إن هذا العمل هو من أجل مناقبه، وهو صدقة جارية، لا ينقطع نفعها ولا أجرها. أدعو الله عز وجل أن يرحم فقيدنا وأن يسكنه فسيح جناته آمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير