من حسن حظي أني عشت مع الشيخ مخيمين صيفين، أولهما بمنطقة الولجة بين الرباط وسلا، كان الشيخ هو المشرف على المخيم، ويؤمنا في الصلوات، ويوجهنا ويربينا على حسن الخلق والأدب، ويلقننا بعض الفوائد، وكان يزورنا جملة من المشايخ،كالقاضي برهون الشيخ المعروف، والأستاذ العياشي _رحمه الله_ الذي مات في حادثة سير بالمدينة المنورة، وكان برفقة الشيخ زحل، وغيرهما من المشايخ والدعاة، وقد اختتم المخيم بحفل بهيج نلت فيه جائزة تجويد القرآن الكريم.
المخيم الثاني كان بالمنطقة الشاطئية بين البيضاء والجديدة, وكان بعد الأول بعشر سنوات، حيث أصبحنا شبابا كبارا، وكنت مكلفا بقراءة فقرات من كتاب مشارع الأشواق لا بن النحاس الدمياطي.
من ذكرياتي مع الشيخ أيام الثمانينات الميلادية إصداره لمجلة الفرقان، وكان الشيخ يمدني بمئات النسخ أتولى بيعها تطوعا أمام أبواب المساجد، وكان الشيخ هو صاحب فكرة المجلة والمسئوول عنها ومديرها، قبل أن يزاح عنها شيئا فشيئا إلى أن آل الأمر بها إلى جماعة التوحيد والإصلاح.
من ذكرياتي معه أن مراسل مجلة العالم' التي كانت تصدر بلندن حضرالمغرب ليعد تقريرا عن كيفية قضاء الناس لشهر رمضان بهذا البلد، فأحضره الشيخ إلى بيتنا ليصورني ويمثل بي على اعتناء المغاربة بتحفيظ أبنائهم كتاب الله تعالى، خاصة أني كنت أحفظه وأنا صغير، وفعلا صورني المراسل، وأذكر ان الشيخ مازحه قائلا: لولا أن يقال الشيخ زحل تشيع لتصورت معه، في إشارة منه إلى علاقة المجلة بإيران.
وقد حزنت كثيرا لما قام وزير الأوقاف المغربي السابق عبد الكبير العلوي المدغري بتوقيف جماعة من خطباء السنة دفعة واحدة، ومنعهم من الخطابة والتدريس، وكان على رأسهم شيخنا محمد زحل ومعه القاضي برهون وإدريس الجاي و غيرهم،وقد استمر التوقيف ما يقارب عشر سنوات، قبل أن يعود الشيخ للتدريس بمسجد عين الشق الكبير، ليتم التفسير وشرح صحيح البخاري.
وقد كنت كثير الزيارة للشيخ بمكتبته المعروفة مكتبة شيخ الإسلام بن تيمية، وكان يمدني بفوائد علمية وتاريخية، ويحكي لي بعض ماضيه مع تنظيم الشبيبة الإسلامية، وكان يسمي عبد الكريم مطيع زعيم التنظيم بالسامري، وكان سيء الرأي فيه.
كما أنني زرته ببيته بحي ليساسفة بالبيضاء، ودعاني لحضور حفل زفاف ابنته، وكان حفلا عظيما، حضره عشرات المشايخ والدعاة والرموز، كما أنه دعاني لحضور زفاف ابنه معاذ، وكانت الأيام قد فرقت بيني وبينه حتى التقيته بالمدينة المنورة، حيث حضر لتسجيل ابنه معاذ بالجامعة الإسلامية.
يذكر أن الشيخ من أهل حاحا، منطقة أمازيغية بين الصويرة واكادير، وتتلمذ كثيرا على الشيخ البشير توفيق _رحمه الله_والد الأستاذ عز الدين توفيق، قبل أن يدخل الدار البيضاء، ويلتحق بتنظيم الشبيبة الإسلامية جناح المعلمين، وبعد انفراط عقد التنظيم اشتغل بالدعوة إلى الله، والخطابة والتدريس إلى الآن.
وما أعتبه على الشيخ هو أنه على سعة علمه وقبوله عند الناس لم يتمكن من تكوين مدرسة علمية، ولا عرف له تلاميذ مشهورون نبغوا وأفادوا،وأذاعوا علمه بين الناس.
أعتب عليه أيضا قلة بل يمكن أن اقول عدم وجود أي مؤلف له،_وخلو الموقع دليل على ذلك_، مع قوته في البيان، وسلاسة قلمه كما هو واضح في مقالاته المتناثرة هنا وهناك، ولست أدري السبب في ذلك.
أعتب عليه أيضا انعزاله عن الحياة العامة، خاصة بعد التوقيف، بحيث لا يعرف له رأي فيما ينزل بالأمة من أحداث،وخاصة الأحداث الداخلية، وكان يمكنه_حفظه الله_التصدي للعلمانيين الذين صالوا وجالوا في البلاد، خاصة مع ما آتاه الله من قوة في الحجة وفصاحة في البيان.
حفظ الله الشيخ ونفع به.