[الشيخ محمد الصالح رمضان كما عرفته]
ـ[محمد الأمين فضيل]ــــــــ[22 - 08 - 08, 10:03 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلقد كنت منذ صغري مولَعا بمطالعة كلما له صلة بالجزائر وتاريخها وعلمائها، ولعل من أسباب هذا الاهتمام:
- معرفة الوالد "عبد القادر فضيل" حفظه الله لكثير من أعلام الفكر والثقافة بالجزائر وحديثه لي عنهم.
- مكتبة الوالد التي نشأت بين كتبها واحتواؤها على عدد لا بأس به من كتب أعلام الجزائر وتاريخها.
- مشاركتي في مسابقة رمضان التي كانت تنظمها وزارة الشؤون الدينية وكان من بين أسئلتها أسئلة كثيرة تتعلق بتاريخ الجزائر وعلمائها. ورغم أني حصلت مرة واحدة فقط على جائزتها (وكانت لي الرتبة السادسة على ما أذكر) وكان ذلك قبل أكثر من ثلاثين سنة، لكني استفدت منها فوائد علمية لا تقدر بثمن فقد دفعتني للمطالعة النافعة والبحث العلمي الهادف ...
وأذكر هنا أمرا قد يجهله كثير من الشباب اليوم وهو أن الذي كان يكتب أسئلتها ويصوغها في قالب سجعي جميل هو الشيخ أحمد حماني رحمه الله.
ومن بين تلك الكتب التي بدأت مطالعتها وأنا صغير السن، كتاب "العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية" وهي دروس في العقيدة كان الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله يمليها على تلاميذه، وحينها قرأت اسم الشيخ محمد الصالح رمضان رحمه الله لأول مرة إذ كان الشيخ رمضان أول من نشر هذه الإملاءات وبثها في الناس. و قرأت المقدمة التي كتبها الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله وفيها الثناء العاطر على الشيخ.
وتمر الأيام والسنون ثم أسكن منطقة القبة التي يسكن فيها الشيخ وذلك منذ قرابة العشرين سنة. فرأيت الشيخ لأول مرة وكان الوالد يتردد عليه في بيته وكان هو أيضا يأتينا خاصة أنهما كانا آنذاك يعملان سويا في وزارة الثقافة أيام تولي الأستاذ العربي دماغ العتروس لها.
عند ذاك عزمت على الاتصال بالشيخ والاستفادة منه لكن الحياء والهيبة كانا يمنعانني، لكن لم ألبث أن تغلبت على هذه الموانع، وبدأت أتردد على الشيخ في بيته بمفردي فوجدت منه كل الترحيب والعطف وقد أكرمني غاية التكريم حتى صار يعتبرني بمثابة أحد أبنائه.
لذلك أرى أنه من واجبي أن أذكر شيئا من مناقب هذا الشيخ وفضائله قياما ببعض حقه علي. وليعذرني القراء إن رأوا في هذه الشذرات خلطا أو تقديم ما حقه التأخير أو تأخير ما حقه التقديم فهي ذكريات تتوارد على الذهن أحببت أن أسجلها قبل أن تنسى، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
بيت الشيخ رمضان مفتوح للشباب والباحثين وطلبة العلم
كان الشيخ رحمه الله يستقبل كل من يقصده مستفيدا سواء عرفه أم لم يعرفه، فبيته مفتوح للجميع. وكان متواضعا مع جلسائه يُلين الخطاب لهم ويزيل الكلفة التي قد تطرأ بينه وبينهم. وكان الشيخ يحب الشباب المتدين ويرى أنهم الأقرب لفهم مبادئ جمعية العلماء.
وكان الشيخ يجيب عن الأسئلة التي تُلقى عليه ويستطرد في الإجابة حتى ينتقل من موضوع لآخر دون أن يشعر وينسى السؤال الذي طُرح عليه أوّلاً، وكان كثيرا ما يشكو من هذا الشرود الذهني الذي أتاه على كبر ويقول للسائل إذا رأيتني خرجت عن الموضوع فردني إليه. أما أنا شخصيا فكنت أستحي أن أقاطعه وأدعه يتحدث وكنت أجد في ذلك الاستطراد الفوائد الغزيرة والعلم الجم.
وقد حدثني أن الشيخ محمد العيد آل خليفة رحمه الله كان يشكو من الشرود الذهني وكان يقول للشيخ رمضان ستفهم هذا الأمر إذا بلغت الكبر، ثم قال الشيخ رمضان: فأنا الآن فهمت ما كان يقع للشيخ محمد العيد.
والشيخ رحمه الله من الشخصيات التي تُحسن التحدث عن الماضي وسرد الوقائع مرتبة مفصلة كأنها عقد منتظم. وكم كنت أتمنى لو سجّلَتْ معه قناة المجد لقاءً في برنامج "صفحات من حياتي" ولو فعلت لشاهد المشارقة عجبا من حسن العرض وفصاحة اللغة وكثرة الفوائد.
وكان الشيخ رمضان كثير الإعارة لكتبه لمن يعرف ولمن لا يعرف ويكتفي بتسجيل تلك الإعارة في كناش صغير لديه، وضاعت له بسبب ذلك كتب كثيرة ووثائق مهمة، ورغم ذلك بقي على منهجه لا يستطيع أن يرفض طلب مستعير ويرى ذلك من كتم العلم. وهو في هذا الأمر مختلف عن كثير ممن ينتسب إلى العلم في بلدنا فأكثرهم لا يمكن أن تطمع في زيارة مكتباتهم فضلا عن أن تستعير منها. وأذكر أني كنت أستعير منه جرائد جمعية العلماء الشهاب والبصائر والسنة والصراط قبل أن تطبع وكانت حينذاك كنزا لا يقدر بثمن، وكان الحصول عليها من الصعوبة بمكان.
وذات مرة قدمت له خدمة بسيطة لا تكاد تُذكر فأصر أن يدفع لي مبلغ ماليا فرفضت، ولما رأيت إصراره قلت له مداعبا: أريد ثمنا من نوع آخر، فقال: ما تريد؟ قلت: أريد الكتب، فأجاب رحمه الله: وما المانع: تأخذ هذا وهذا.
ومرة أخرى وجدت عنده أعدادا مكررة من مجلة الشهاب التي كان يصدرها الشيخ عبد الحميد بن باديس وكان ذلك قبل أن تطبعها دار الغرب الإسلامي. فهممت أن أطلبها منه، ثم ترددت، وأخيرا تشجعت وطلبتها منه، فلم يجبني. وبعد أيام قدم إلى بيتي ومعه المجموعة فوهبها لي قائلا: لقد طلبها مني الشيخ علي المغربي لكني فضلت أن أعطيها لك ... وكم كان فرحي كبيرا بهذه الأعداد التي لم يكن لي سبيل آخر للحصول عليها ...
يتبع
¥