كان- رحمه الله- منذ نعومة أظفاره, وهو متعلق بكتاب الله, ومنذ كان شاباً يافعاً وهو ناشئ في عبادة الله, ولم يزل قلبه معلقاً بالمساجد حتى وهو على سرير المرض إلى أن توفاه الله, ومذ عرفته وهو يتصدق بالصدقة فيخفيها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, وكم مرةً ذكر الله خالياً ففاضت عيناه!! وليس هذا بعجيب على من عاش في كنف الشيخ الزاهد عبد الرحمن بن قاسم- رحمه الله- ولا بغريب على من تربى في بيته, وشبَّ على مائدته.
تربى ونشأ في بيت عُرِف بالعلم, حيث تربى في كنف والده الشيخ عبد الرحمن بن قاسم- رحمه الله- الذي جمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- وألف كتباً كثيرة, كان لها صدى واسعاً بين طلاب العلم, وتلقى العلم الشرعي على عدد من أصحاب الفضيلة,
ومنهم, والده الشيخ/ عبد الرحمن بن قاسم, حيث قرأ عليه في الفقه - سنة1373ه فقط- مع عدد من زملائه: ومنهم الشيخ عبد الرحمن بن فريان, والشيخ عبد الله بن جبرين, والشيخ فهد بن حمين, والشيخ إبراهيم بن خنيزان, وأخوه العم الشيخ محمد بن قاسم, والأستاذ محمد بالبيد, وغيرهم ...
ومن مشايخه: الشيخ/ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ, حيث قرأ عليه متن الرحبية, والأجرومية ... , وغيرهما.
ومن مشايخه: الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ. وهو أكثر من لازمه, وقرأ عليه, وكان له حظوة عنده, حتى إنه يعده كواحدٍ من أبنائه, ولهذا قرَّبه, وأدناه, وجعله أميناً لمكتبته, وكان يرافقه في كثير من رحلاته وأسفاره, وكانت فرصة سانحة للنهل من علم هذا الإمام, والقراءة عليه, وقد قرأ عليه الوالد الروض المربع, وأصول الأحكام لوالده, وكذا حاشية الروض- قبل أن تطبع- وألفية ابن مالك, وشرح الطحاوية, وغيرها كثير ... , وكان الوالد رحمه الله يذهب إلى الشيخ محمد بن إبراهيم بعد العشاء الآخر؛ ليقرأ عليه عدداً من الكتب, تحضيراً لدروس الغد ... , كما كان يقرأ عليه ليلة الجمعة من خطب الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ تحضيراً لخطبة الجمعة التي يخطبها الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
ومن مشايخه أيضاً: الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي, حيث قرأ عليه في أصول الفقه .. , والشيخ/ إسماعيل الأنصاري, وقد قرأ عليه في مصطلح الحديث ..
وبعد أن توفي الشيخ محمد بن إبراهيم عيّن أميناً لمكتبة كلية الشريعة بالرياض, إلى أن تقاعد سنة 1406ه تقريباً, ثم اشتغل بعد ذلك في التأليف, فألَّف في الحديث كتاب "المنتخب من أدلة الشريعة" في مجلد, وفي الفقه كتاب "العمدة في فقه الشريعة" في مجلد, وفي التفسير كتاب"تفسير القرآن بالقرآن والسنة والآثار وبالأسلوب الحديث" في ستة مجلدات, وفي الوعظ والإرشاد كتاب"توجيهات ورسائل مهمة" في غلاف, ومجموعة خطب اشتغل عليها قبل وفاته, ولم تطبع بعد.
وقد اهتم- رحمه الله- بالدعوة إلى الله, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكان تذكير الناس, وتعليمهم, صبوحه, وغبوقه, ولذا بقي أكثر من عشرين عاماً, يخرج يوم الجمعة إلى المحافظات والقرى؛ ليخطب بالناس, ويذكرهم, ويفتي عوامهم ... , فيخرج من منزله صباحا أو ضحى, ولا يعود إلا في المساء, وكان يقول: هم أحوج للتعليم من أهل المدن ... , ووقت العزاء حضر, واتصل, من أصحاب المحافظات والقرى, عدد كبير, كلهم يعزي في وفاته, ويذكر زياراته المتكررة لهم, سواء من الأحساء, أو من الأفلاج, أو من جلاجل, أو من سدوس ... الخ ..
وكان- رحمه الله- من حرصه على دعوة الناس, يخرج من منزله بعد أذان الفجر مباشرة, ليوقظ أهل الحي لأداء الصلاة في المسجد, وذلك عبر مكبر الصوت الذي يمسكه بيده, فيدعوهم إلى الصلاة, متنقلاً بين الأزقة والسكك, وطالما اعترض عليه بعض الناس, فما فتَّ ذلك من عضده, وما أوهن من عزيمته, إذ استمر على ذلك أكثر من ثلاثين عاما ... !! ومن عباراته التي طالما كان يرددها لإيقاظ الناس للصلاة:
"الصلاة ... أدركوا الصلاة ... صلوا في المسجد .. صلوا مع المسلمين .. صلوا هداكم الله .. "
ثم ينتقل إلى الطرف الثاني من الزقاق, فيقول:"أدركوا الصلاة ... لا تشبهوا بالمنافقين ... أيقظوا أولادكم وخدمكم للصلاة .. فإنكم مسئولون عنهم يوم القيامة .. "
ثم ينتقل للسكة الأخرى, وهو يلتفت بالمكبِّر يميناً وشمالا, فيقول:"الصلاة .. الصلاة ... وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ... الصلاة ... أدركوا الصلاة ... "
¥