لهم ما يقدر عليه ... , فرحمه الله رحمة واسعة, وأسكنه فسيح جناته.
ومن صفاته الطيبة, اهتمامه بصلة الرحم, بل ويهتم بصلة أهل الخير عموماً من الأصحاب, والجيران, ونحوهم, لا يخص غنياً عن فقير, ولا يؤثر كبيراً عن صغير, وكان يتعاهد بالزيارة حتى جيرانه في حيه القديم الذي انتقل منه, بل كان يتعاهد بالزيارة من يحبهم في الله في المحافظات والقرى والمدن البعيدة, وقديماً كان يسافر بسيارته من الرياض إلى أبها- مثلا- ليزور اثنين ممن تربطه بهم المحبة في الله, ثم يغادر أبها في نفس اليوم, واستمر على ذلك فترة طويلة من الزمن حتى تقدم به السن, وأذكر أنه وقع له حادث قبل أكثر من خمس وعشرين عاما, وهو في طريقه من الطائف إلى أبها, وكان الباعث على ذلك السفر؛ تلبية لدعوة وليمة عرس لأخٍ كان يحبه في الله, وقد أشرف على الموت بسبب ذلك الحادث, ثم بقي طريحاً على الفراش أياماً عدة ... , وبعد أن شفي من مرضه لم ينقطع عن قطع هذه المسافات لغرض الزيارة ... !
ومن عجائب ما وقع له إبان فترة المرض هذه, أنه سمع صوتا آخر الليل - وقت أداءه لصلاة الليل عادة - يقول له: قم صلِّ, فقال: كيف أصلي وأنا على هذا الحال, وكان الحادث قد أضرَّ بفخذه ضرراً بيّناً, فأحس بشيء يمسح على فخذه, ثم بدأ يتعافى بشكلٍ متسارع!! واستأنف بعد ذلك صلاة الليل ... , وقد حدَّث بهذه القصة, وقت حدوثها, ثم نفاها بعد زمن, ولا ندري أهو بسبب رغبته في إخفاء مثل هذه الكرامة, أم بسبب نسيانه لها, وكان- رحمه الله- كثير النسيان.
ومن أعظم ما كان يتسم به- رحمه الله- أنه كان سليم الصدر, طيب القلب, لا يكذِّب أحداً, مهما كان, ومهما أوغل في الكذب, لأنه لم يكن للكذب طريق إلى نفسه, ولهذا يمكن لجليسه أن يكشف عن شخصيته, وعما يدور في خلده في جلسة واحدة, وقد استغل ذلك بعض ضعاف النفوس, فلا أحصي عدد من تزيا بعمامة, وادعى أنه داعية قومه, ثم تبين أنه داعية هواه ... , ولا عدد من جاء يتصنع بطول لحيته وبقصر ثوبه, وأنه التقي بن الخفي ... , ثم ظهر أنه الدعي بن الدعي, وهكذا في سلسلة طويلة ... , والله تعالى يتولى السرائر ..
ومن صفاته العجيبة التي يلمسها كل من خالطه, أنه لم يكن يحفل بالحديث عن أمور الدنيا, بل نادراً ما كان يتحدث فيها, وإن تحدث, أو اختلف مع أحد في أمر من أمورها, فهو من رغبته في تحصيل الأسباب التي تهيء له أسباب النفقة والبذل والعطاء, وأذكر أنه ورث مبلغ مليون وستمائة ألف ريال, فتبرع بنصف هذا المال بعد أيام قليلة من قبضه!!
توفي- رحمه الله- يوم الخميس ليلة الجمعة, بعد مغيب الشمس بدقيقة واحدة, في تمام الساعة السادسة وسبع وأربعين دقيقة, وذلك بتاريخ 7/ 7/1429ه, وكان حينها في العناية المركزة بمركز الأمير سلطان لأمراض وجراحة القلب, إثر مرض ألمَّ به منذ سنة 1420ه, حيث كان يشتكي من ضعف عضلة القلب منذ ذلك الحين, مما كان سبباً في اجتماع السوائل في جسمه مرة بعد مرة, وكان العلاج الذي يتناوله له أثر بعيد المدى في قصور الكلى, ولابد له من تناوله, وقد دخل المستشفى قبل وفاته بأسبوع إثر هبوط مفاجئ في الضغط, وكان من أسبابه زيادة السيولة في الدم, كما حصل لديه قصور في إحدى الرئتين بسبب غياب جزئي في الوعي, وقبل ذلك وبعده قدر الله النافذ, وكان أمر الله قدراً مقدورا.
هذه إلماحة سريعة عن سيرة والدي- رحمه الله- عن سيرة هذا العَلَم, والتي أعادتني إلى الوراء قليلاً, إلى حيث التهجد والطاعة, إلى حيث التواضع والانكسار, إلى حيث الصمت والهيبة, إلى حيث الهمة والغيرة, إلى حيث الـ ... آه!! إلى حيث من لو بقيت لأحسب محاسنه, وأعدد محامده لغربت علي شمس اليوم, وأشرقت علي شمس الغد دون جدوى, ولذا أكتفي من القلادة بما أحاط بالعنق, وأسطر هذه السيرة العطرة بهذه اللمسات العجلى, عسى أن يكون داعيةُ الأمس واعظَ اليوم, ومستنهضاً بسيرته العزائم, ومحفزاً الهمم, فاللهم ارحمه, وأسكنه الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين, واجعل ما كتبته في سبيل مرضاته سبحانه, والزلفى لديه, والله تعالى أرحم بعباده, وهو الغفور الرحيم, والجواد الكريم.
****إبنه هو الشيخ الفاضل الدكتور يوسف بن أحمد بن عبد الرحمن بن قاسم العاصمي****
أستاذ الفقه المساعد بمعهد القضاء كاتب الترجمة
¥