[أبو حذيفة لم يمت (كلمة وفاء في حق الشيخ إبراهيم الدحيم رحمه الله)]
ـ[المسيطير]ــــــــ[18 - 09 - 08, 06:18 م]ـ
أبو حذيفة لم يمت!! كلمة وفاء في حق فارس من فرسان الدعوة
د. عمر بن عبد الله المقبل
18/ 9/1429
في ليلة اكتمل فيها بدر السماء هوى بدرٌ من بدور الأرض، وغيّب الموت داعيةً من خيرة الدعاة الصامتين، الصادقين، الأخفياء، الأولياء ـ أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكيه على الله ـ: إنه رفيق الدرب، وزميلي في حلقة القرآن، وشريك من شركاء الدعوة والمنهج، الشيخ المسدد، والمربي الفاضل: إبراهيم بن صالح بن علي الدحيم، وذلك ليلة الخامس عشر من شهر رمضان من عام ألف وأربعمائة وتسعة وعشرين.
كنتُ قرأت عن بعض السلف أنه بلغه موتُ أحد إخوانه، فقال: والله لكأن ركناً من أركاني قد انهدّ!
ولعمر الله! ما كنت إلا ذلك الرجل حين جاءني الخبر:
طَوَى الجَزِيرَةَ حتى جاءَني خَبَرٌ ... فَزِعْتُ فيهِ بآمالي إلى الكَذِبِ
حتى إذا لم يَدَعْ لي صِدْقُهُ أمَلاً ... شَرِقْتُ بالدّمعِ حتى كادَ يشرَقُ بي
وما كنتُ أظن أنني سأرثيه، خاصة في هذه السن، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها.
إنني أكتب هذه الأحرف وأنا أتجرع مرارة المصيبة، وأكابد لوعة الفراق، وألوذ بالصبر، وأتعزى بعزاء الله: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}، وأرجو موعود رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كما في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ـ "يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة".
وليست هذه الأحرف ترجمة للشيخ، ولا حديثاً عن سيرته، فهذا له وقته ـ إن شاء الله ـ بعد اكتمال ما يتعلق بتلك السيرة الطيبة، ولكنها كلمات وفاء عاجلة، لعل أحداً يقرأ هذه الأحرف فيرفع كفيه ليدعو لهذا الشيخ الذي نذر نفسه للدعوة، ومات وهو يعيش همها، بل مات وهو يمارسها!
لقد كانت وفاته ـ وهو متجه إلى بيت الله الحرام ومعه مجموعة من الطلاب الناشئين في طريق الخير والهداية ـ ترجمةً عملية لهمّ الدعوة الذي يملأ جوانح قلبه، إنها تطبيق عملي لكلمات سطرها ـ رحمه الله ـ بحبره، حين صدر رسالته (فارس الدعوة) ـ وهو يصف هذا الفارس ـ بقوله: "هو فارس لا يترجل، أَلِفَ صهوة الخيل فلا غير، عشق القمم فما عاد يعرف للأودية سبيلاً ولا إليها طريقاً .. سارت هموم الناس في أفلاك شهواتهم، وسار نجم همه في أفلاك دعوته, فهو آخذ بزمام فرسه، طائر على جناح السرعة، قد نصب خيمته في صحراء التائهين، وأوقد ناره عندها كي يراه المنقطعون فيقصدونه, فيستنقذ منهم غافلاً ويعلم فيهم جاهلاً ويرشد فيهم حائرًا" انتهى كلامه رحمه الله.
إذن هي ومضات سريعة فحسب، وإطلالة خاطفة على حياة هذا الداعية المبارك، والمربي الفاضل، وإلا فسيرته تحتمل مجلداً لطيفاً، خصوصاً أن تجربته في الدعوة وخبرته فيها تقترب من العشرين عاماً.
لقد عرفتُ الشيخ ـ رحمه الله ـ قبل أكثر من عشرين عاماً، بحكم ما بيننا من مصاهرة، وعرفته زميلاً في المرحلة المتوسطة، في حلقة القرآن عند شيخنا محمد أويس الهزاوري ـ حفظه الله ـ ثم زميلاً في جمعية التوعية الإسلامية بصحبة شيخنا المربي القدير فضيلة الشيخ عبدالكريم الجارالله ـ متعنا الله بحياته على حسن عمل ـ ثم جمعتنا بعض المحاضن التربوية، وكثيرٌ من الرحلات التربوية مع بعض المربين الكرام ـ جزاهم الله عنا أحسن الجزاء ـ ثم جمعنا طريق الطلب في كلية الشريعة وأصول الدين (فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم سابقاً)، ثم افترقت الأبدان ـ مع اتصال القلوب والأرواح ـ فتعين في عدة قرى ومدن، ولم يترك مكاناً تعيّن فيه إلا وترك فيه بصمةً واضحة، فاسأل ـ إن شئتَ ـ أهل البجادية، وبعض قرى عقلة الصقور، وغيرها إلى أن حطّ رحاله في بلده ومسقط رأسه (محافظة المذنب) فكان هذا تحولاً نوعياً في برامجه العلمية والدعوية، وانطلاقة متميزة في طريق الدعوة، علماً أنه استمر في تواصله مع طلابه ومحبيه في تلك المدن والقرى التي غرس فيها غرسه.
¥