وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (32). [سورة الأحقاف].
أين النفوس والقلوب التي تحسن الاستماع إلى القرآن، واستقباله، والتعامل معه على أنه كتاب هداية وشفاء للناس؟
أين القلوب التي تحسن الاستماع إلى القرآن، والتأثر به، والعمل به ..
قبل أيام كنت أستمع إلى قراءة أحد أئمة الحرم يقرأ ـ حفظه الله ـ بقراءة كلها خشوع وبكاء، وكنت أنظر إلى عدسة التصوير تجوب أرجاع الحرم المكي الشريف وترى الناس وكأنهم لا يسمعون القرآن ـ إلا من رحم الله ـ وعندما قنت الإمام وأخذ بالدعاء رأيت العجب من البكاء، والخشوع، والتضرع ـ وهذا طيب ـ ولكن كان الأولى أن ترى هذا الخشوع، وهذا البكاء، وهذا السؤال في الناس وهم تسمعون القرآن، تستمعون تلك الآيات التي لو أنزلت (جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [الحشر21].
لماذا غير القرآن حياة الصحابة، ولم يغير حياتنا؟!
الجواب: لأنهم أحسنوا التعامل مع القرآن، أدركوا قيمته وفهموا المقصد من نزوله، وأنه لا عز لهم ولا نصر إلا بالتمسك به وبتعاليمه.
عاش الصحابة القرآن بكل ما فيه، تلاوة، وخشوعاً، وتدبراً، وعلماً، وعملاً، حتى صار الواحد منهم كأنه قرآن يمشي على الأرض.
كان القرآن حياتهم:
أخرج ابن إسحاق، عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: خرجنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ في غزوة ذات الرِقاع من نخل، فأصاب رجل إمرأة رجل من المشركين. فلما انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ قافلاً أتى زوجُها ـ وكان غائباً ـ فلما أُخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يُهَرِيقَ في أصحاب محمد دماً. فخرج يتبع أثر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فنزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ منزلاً فقال: «من يكلؤنا ليلتَنا؟» فانتدب رجل من المهاجرين، ورجل من الأنصار فقالا: نحن يا رسول الله. قال: «فكونا بفم الشِّعب من الوادي» فلما خرجا إلى فم الشِّعب قال الأنصاري للمهاجري: أيُّ الليل تحب أن أكفيكَهُ أولَه أم آخرَه؟ قال: بل أكفني أوّلَه، فاضطجع المهاجري فنام؛ وقام الأنصاري يصلِّي. قال: وأتى الرجل: فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئةُ القوم، فرمى بهم فوضعه فيه، فانتزعه ووضعه وثبت قائماً. قال: ثم رمى بسهم آخر فوضعه فيه، فنزعه فوضعه وثبت قائماً. قال: ثم عاد له بالثالث، فوضعه فيه، فنزعه فوضعه، ثم ركع وسجد، ثم أهبّ صاحبه، فقال: إجلس فقد أُثْبِتُ. قال: فوثب الرجل، فلما رآهما عرف أنه قد نذِرا به، فهرب. قال: ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك؟ قال: كنت في سورة أقرؤها، فلم أحبّ أن أقطعها حتى أنفذها. فلما تابع عليّ الرمي ركعت فآذنتك، وايْمُ الله، لولا أن أضيِّع ثغراً أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ بحفظه لقَطَع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها. علقه البخاري في "صحيحه" في " كتاب الوضوء" فقال: ويذكر عن جابر بن عبد اللّه، أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان في غزوة ذات الرقاع، فرمى رجل بسهم فنزفه الدم، فركع وسجد ومضى في صلاته. انتهى.
قال الحافظ في الفتح (1/ 375): " وصله ابن إسحق في المغازي قال: حدثني صدقة بن يسار، عن عقيل بن جابر، عن أبيه مطولاً. وأخرجه أحمد، وأبو داود، والدارقطني، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، كلهم من طريق ابن إسحق، وشيخه صدقة ثقة، وعَقيل بفتح العين لا أعرف راوياً عنه غير صدقة، ولهذا لم يجزم به المصنف، أو لكونه اختصره، أو للخلاف في ابن إسحق ".
وقال: " وأخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر وسمى الأنصاري المذكور عباد بن بشر، والمهاجري عمار بن ياسر، والسورة الكهف ".
وإنك أخي الكريم لتعجب قبل ذلك من قوة تأثير القرآن على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " شيبتني (هود) وأخواتها ". رواه الطبراني في الكبير (17/ 286/790)، وجود الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ إسناده.
أنظر " الصحيحة " (2/ 641) حديث رقم (955).
فهل شيبنا شيئ من القرآن؟!!
¥