وذكر الشريف ابو علي بن ابي يوسف: ان الصحيح في مذهب احمد انه اسماعيل، وهذا هو الذي رواه عبد الله بن احمد عن ابيه، قال: مذهب ابي انه اسماعيل، وفي الجملة فالنزاع فيها مشهور، لكن الذي يجب القطع به انه اسماعيل، وهذا الذي عليه الكتاب والسنة والدلائل المشهورة، وهو الذي تدل عليه التوراة التي بايدي اهل الكتاب.
وايضا، فان فيها انه قال لابراهيم: اذبح ابنك وحيدك. وفي ترجمة اخرى: بكرك، واسماعيل هو الذي كان وحيده وبكره باتفاق المسلمين واهل الكتاب، لكن اهل الكتاب حرفوا، فزادوا اسحاق، فتلقى ذلك عنهم من تلقاه، وشاع عند بعض المسلمين انه اسحاق، واصله من تحريف اهل الكتاب.
ومما يدل على انه اسماعيل قصة الذبيح المذكورة في سورة الصافات، قال تعالى: {فبشرناه بغلام حليم} [الصافات: 101]، وقد انطوت البشارة على ثلاث:
على ان الولد غلام ذكر،
وانه يبلغ الحلم،
وانه يكون حليما. واي حلم اعظم من حلمه حين عرض عليه ابوه الذبح فقال: {ستجدني ان شاء الله من الصابرين} [الصافات: 102]؟ وقيل: لم ينعت الله الانبياء باقل من الحلم، وذلك لعزة وجوده، ولقد نعت ابراهيم به في قوله تعالى: {ان ابراهيم لاواه حليم} [التوبة: 114]، {ان ابراهيم لحليم اواه منيب} [هود: 75] لان الحادثة شهدت بحلمهما: {فلما بلغ معه السعي قال يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين} الى قوله: {وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الاخرين سلام على ابراهيم كذلك نجزي المحسنين انه من عبادنا المؤمنين وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى اسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين] {الصافات 107 - 113].
فهذه القصة تدل على انه اسماعيل من وجوه:
احدها: انه بشره بالذبيح وذكر قصته اولا، فلما استوفى في ذلك قال: / {وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى اسحق} [الصافات: 112، 113].
فبين انهما بشارتان: بشارة بالذبيح، وبشارة ثانية باسحاق، وهذا بين.
الثاني: انه لم يذكر قصة الذبيح في القران الا في هذا الموضع، وفي سائر المواضع يذكر البشارة باسحاق خاصة، كما في سورة هود، من قوله تعالى: {وامراته قائمة فضحكت فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب} [هود: 17]، فلو كان الذبيح اسحاق لكان خلفا للوعد في يعقوب، وقال تعالى: {فاوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم فاقبلت امراته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم} [الذاريات: 28، 29].
وقال تعالى في سورة الحجر: {قالوا لا توجل انا نبشرك بغلام عليم قال ابشرتموني على ان مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين {[الحجر: 53 - 55]، ولم يذكر انه الذبيح، ثم لما ذكر البشارتين جميعا: البشارة بالذبيح والبشارة باسحاق بعده، كان هذا من الادلة على ان اسحاق ليس هو الذبيح.
ويؤيد ذلك انه ذكر هبته وهبة يعقوب لابراهيم في قوله تعالى: {ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين} [الانبياء: 72]، وقوله: {ووهبنا له اسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب واتيناه اجره في الدنيا وانه في الاخرة لمن الصالحين} [العنكبوت: 27]، ولم يذكر الله الذبيح.
الوجه الثالث: انه ذكر في الذبيح انه غلام حليم، ولما ذكر البشارة باسحاق ذكر البشارة بغلام عليم في غير هذا الموضع، والتخصيص لابد له من حكمة، /وهذا مما يقوي اقتران الوصفين، والحلم هو مناسب للصبر الذي هو خلق الذبيح.
واسماعيل وصف بالصبر في قوله تعالى: {واسماعيل وادريس وذا الكفل كل من الصابرين} [الانبياء: 85]، وهذا ايضا وجه ثالث فانه قال في الذبيح: {يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين} [الصافات: 102]، وقد وصف الله اسماعيل انه من الصابرين، ووصف الله ـ تعالى ـ اسماعيل ايضا بصدق الوعد في قوله تعالى: {انه كان صادق الوعد} [مريم: 54]؛ لانه وعد اباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به.
¥