تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجارتْهُ أمه في التفكير على هذه الطريقة لتؤكد له أن الأديان الثلاثة أصلها واحد وليس هناك خلاف، وآثرت أن تتركه لتفكيره الفطري حتى يهتدي إلى حقائق الدين وحده، فقال لها يوماً: هل من الممكن أن أذهب لأشكر الله في الكنيسة؟ فلم تمانع؛ لأنها وجدته يفكر تفكيرا فطريا ولا خطر فيه.

الفطرة .. واختبار النقاء

ومن ثم بدأ يتردد على الكنيسة، ولاحظ أنهم هناك يعاملون الأطفال معاملة حسنة جدا، وصار يردد معهم تراتيلهم. ولما اكتشف أبوه ذلك وكان لا يعلم حاول إقناعه بأن المسلمين يشكرون الله في المسجد لا في الكنيسة، وطلب منه عدم الذهاب إلى الكنيسة مرة أخرى، وتوعده إن أصر على الذهاب إليها أن يحرمه من مصروفات الدراسة، وذهب معه إلى ناظر المدرسة التي يذهب إليها، الذي حاول أيضا أن يثنيه عن الذهاب إلى هناك بنفس المنطق، لكن الصبي كان مُصرًّا فانصرف من المدرسة متوجهًا إلى مفتش التبشير الأمريكي في الكنيسة الإنجيلية مستر جلوي.

وكان للتبشير مدرسة على بُعد كيلومتر من مدينة الفيوم يديرها جلوي هذا، فقابله الطفل هناك، وأبدى رغبته في الالتحاق بمدرسة التبشير وعدم العودة إلى مدرسته القديمة، فاتصل جلوي بأبيه مخبرًا إياه أنه يحاول إثناء ابنه عن عزمه، إلا أن الأب واجه كلام المبشر بغضب وسبه وسب الابن، ومن ثم فقد قبله جلوي في المدرسة وأعد له مكانا للدراسة والإقامة ورتب له معلما يعلمه القرآن الكريم، ولم يكن قد حفظ إلا القليل منه.

ومضى الطفل يدرس القرآن والإنجيل معاً، ولأن الطفل كان يتمتع بعقلية منطقية فقد بدأت تتجمع لديه بعض الملاحظات النقدية من دراسة الكتابين، كانت بدايتها ملاحظته لما حوته قصة عرس الجليل في الإنجيل من موقف المسيح مع أمه وقوله لها: "مالك ومالي يا امرأة"، وهو ما لاحظ أنه مناقض لما جاء في وصف المسيح في القرآن بأنه كان براً بوالدته ولم يكن جبارا شقيا، وبدأ يدون ملاحظاته تلك في الكراريس التي أعطاها له مستر جلوي، فملأ ثلاثا منها كلها ملاحظات منطقية فطرية.

وفي براءة عرضها على مستر جلوي طالباً رأيه، فما كان من جلوي إلا أن قال له: إن الذي كتب هذا الكلام هو الشيطان وليس أنت. ولما وضّح له أنه هو الذي كتبه قال له بأنه ليس لديه إجابة على تلك الملاحظات؛ مما أحبط الصبي، فطلب منه على الفور أن يترك مدرسة التبشير، فأوصله جلوي إلى المكان الذي طلبه وهو المسجد الذي يصلي فيه عمه (وكان يخاف من العودة إلى المنزل خشية رد فعل أبيه)، حيث توسط له عمه وعاد إلى بيته بعدما عرف أبوه قصته مع جلوي.

الدافع الذاتي .. والفعل الإيجابي

نمت ميول الفتى محمد توفيق ورغبته في نشر الخير وتعليمه لمن يجهل به كلما تقدمت به السن؛ ففي أثناء دراسته بالمدرسة الابتدائية كان يدرس مادة "الديانة والتهذيب" المقررة في ذلك الوقت، فكان يقوم بكتابة دروس تلك المادة ويقوم بتعليقها في أماكن متفرقة من البلدة لتعم الفائدة.

وفي مرحلة لاحقة وجد عددًا من المصليات الصغيرة التي أقامها الفلاحون على شاطئ بحر يوسف؛ لتكون قريبة من مقار أعمالهم في الحقول، فدعا عددا من أصدقائه لكي يقوموا بتدريس ما يتلقونه في مادة الديانة من دروس على مرتادي هذه المصليات فيما بين صلاتي المغرب والعشاء؛ حيث يكون الفلاحون قد أنهوا أعمالهم، وكانت المصليات 8 والأصدقاء 9 فوزعوا أنفسهم عليها واحدا لكل مصلى، والفرد الباقي للتفتيش وكتابة الملاحظات على عمل زملائه لتنبيههم إليها، وكانوا يتناوبون العمل في التفتيش على بعضهم البعض.

وفي عام 1918 سافر إلى القاهرة للدراسة في مدرسة الفنون والصنائع، وبعد تخرجه فكر في إصدار صحيفة مطبوعة، فقام بإصدار صحيفة من ورقة واحدة تسمى "التقوى"، وقام بإصدار ألف نسخة من العدد الأول منها، ثم استصدر ترخيصاً لها، وكتب عليها "جريدة التقوى تصدرها جماعة الوعظ الإسلامي".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير