وقد اختار الله تعالى كثيراً من التلامذة المذكورين وقتلوا أوائل هذه الحملة الصليبية دفاعاً عن الدين وصيانةً للحرمات، رحمهم الله وتقبلهم من الشهداء وجمع لنا ولهم بين شرفي العلم والجهاد في سبيله إنه تعالى جواد كريم.
ومما فتح الله به عليّ بعد أن اشتد عود العلم واستوى على سوقه ورزقني الله تعالى ما أميز به بين الحق والباطل والصواب والخطأ أن سلكت مسلك كثير من متقدمي العلماء في الطلب، وهو أنني لا أدع علماً إلا وولجت بابه حاشا علماً دلّ الشرع على حرمة النظر فيه كالسحر والتنجيم ونحو ذلك، وما سوى ذلك فالقاعدة فيه ما ذكره الشوكاني في أدب الطلب وهو من نفائس كتبه أن العلم بالشيء أولى من الجهل به، ومتى كان الطالب عالماً بالفن كان حاكماً عليه، فإن جهله كان محكوماً عليه وشتان بينهما، ولكن ينبغي أن لا يقدم الطالب على ذلك حتى يتشبع بمعرفة مذاهب أهل السنة والجماعة رحمهم الله وما كان عليه سلف الأمة عقيدة وعبادة وفقهاً وسلوكاً حذراً من الوقوع في مسالك البدع ومداحض الأهواء.
وقد نفعني الله تعالى بذلك نفعاً عظيما وله وحده الفضل والمنة، فطالعت كل كتاب وقع تحت يدي في كل فن من الفنون مطالعةً تامةً ولله الحمد وقيدت فوائده حتى اجتمعت لدي آلاف من الفوائد وكثيرٌ منها من غير مظانها والفضل لله وحده.
ولما وقعت المحنة بهذه الحملة الصليبية كانت منحة من الله تعالى وإن رغمت أنوف أعداء الدين، فعكفت في هذه السنين على المطالعة وجمع الفوائد وتقييدها وفهرستها ولم يكن لي شغلٌ سوى ذلك، فطالعت مما وقعت عليه يدي من كتب العلوم والفنون مئات من المجلدات بل لعلها تبلغ الألف إن شاء الله تعالى مطالعةً تامةً حرفاً حرفاً، مع تقييد النكات ونفائس الفوائد وضم النظير إلى نظيره، وغالب وقتي ولله الحمد معمور بذلك إلا فيما لابدّ منه من ضرورات الحياة، وكثيراً ما أطالع المجلدة بتمامها من بعد صلاة الفجر إلى منتصف الليل، فالحمد لله الذي وفقني لهذا من غير حول مني ولا قوة، وأسأله تعالى المزيد من فضله والله ذو الفضل العظيم.
ومما أنعم الله تعالى به علي أن ألهمني منذ بداية الطلب تقييد فوائد لجملة من التصانيف هي من أعمال العمر، فاجتمع بفضل الله تعالى من مادتها عرائس النفائس، إن فسح الله تعالى في الأجل حبرتها لأهل الإسلام تحبيراً، والله ينفعني بها ومن شاء من عباده وييسر لي إتمامها، ويجعلها مباركاً فيها مباركاً عليها إنه تعالى رؤوف رحيم.
وهذه إشارة إلى أهمها:
1 - ترتيب مسند أحمد رحمه الله على أبواب صحيح البخاري مع حذف التكرار ودراسة الأسانيد وشرح متوسط عليه يتناول مسائل النوازل تناولاً أولياً. وقد فتح الله عليّ به من وصية الإمام الذهبي بالمسند رحمه الله.
2 - كتاب في دلالة الكتاب والسنة على القواعد الأصولية، عرضت فكرته على شيخنا أبي محمد السندي رحمه الله فاستحسنها جدا، وعلى شيخنا أبي المعالي فحثني عليه واستطاله، وبالله وحده أستعين.
3 - دلالة الكتاب والسنة على القواعد الحديثية.
4 - نظم في وفيات رجال البخاري ومسلم رحمهم الله.
5 - كتاب قواعد تعبير الرؤيا من الكتاب والسنة على منهج السلف رضي الله عنهم، وغير ذلك وبالله التوفيق.
أما ما هو قيد التصنيف وأسأل الله أن يتم قريبا فهو:
أولا: نوازل الجهاد: أسئلة وأجوبة يبلغ الموجود منها مجلداً إن شاء الله.
ثانياً: رسائل الثغور: ويشمل مواضيع شتى.
ثالثاً: شرح علمي وعملي لحديث: الحرب خدعة.
رابعاً: جزءٌ في حديث: للشهيد عند الله سبع خصال.
خامساً: كتاب العلم والجهاد.
سادساً: شرح على منظومتي: يمانيُّ اليلب في أحكام الغنائم والفيء والسلب.
سابعاً: كتاب اغتيال الجهاد: وهو كتاب لا يستغني عنه مجاهد إن شاء الله.
ثامناً: أرائك الحكمة.
تاسعاً: درة المغازي وتاج كل فارس وغازي: نظم في مغازي النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه يتضمن تاريخ الغزوة والسرية وغير ذلك من الفوائد.
عاشراً: نظم القواعد الفقهية: يتضمن قواعد مجلة الأحكام وغيرها من القواعد.
الحادي عشر: سمر المجاهد: سلسلة أقيد منها الآن رسالة في قهوة البن تاريخها وحكمها وما صنف فيها وما قيل فيها من الأشعار المستحسنة والطرائف المستملحة.
الثاني عشر: كتاب الرمي قديمه وحديثه وبيان أحكامه.
الثالث عشر: الحسنى وزيادة في تراجم من جمع بين شرف العلم وشرف الجهاد والشهادة.
الرابع عشر: الحوليات الأنصارية: على طريقة الفوائد لابن القيم وصيد الخاطر لابن الجوزي.
وغير هذا مما لا يتسع المقام لذكره، وغالبه يحتاج إلى مزيد وقت وسعة في الحال وراحة في البال، والله أسأل أن يذلل لي الصعاب، وأن يجعل جميع ذلك لي لا علي وسبباً لدخولي الجنة من الثمانية الأبواب، إنه تعالى سميع قريب.
وبعد، فأقول تحدثاً بنعمة الله تعالى: إنني والله الذي لا إله إلا هو ما أعلم في هذه الدنيا أحلى ولا أفضل من مجلسين، مجلس علم أقعد فيه بين يدي عالم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أطارحه مسائل العلم، وأقيد ما يفتح الله عليه به من الفوائد، ومجلس في ثغر من الثغور في نحر العدو يجمع نُزَّاعاً من القبائل يجتمعون على محبة الله ويفترقون على طاعته.
والحمد لله الذي أكرمني بذلك وأسأله تعالى ألا يحرمني منهما ما حييت، وأن يزيدني علماً ويوفقني إلى كل عمل صالح يرضيه.
والمرجو ممن اطلع عليه من الإخوان، أن ينظر إليه بعين الإحسان، وأن يغض الطرف عما فيه من شين وعيب، فإنما الإنسان قرين النقصان ولا ريب، والله يعلم أنني في نفسي أقل ممن أذكر، وما أجهله أزيد مما أعلمه وأكثر، ولولا ما أسلفت ذكره، واستباحة الكثيرين حرمةَ سكان الثغور من المجاهدين ورميُهم بالجهل لما اقتحمت هذا الباب ولا حمت حوله ولو بالفكرة، والله يغفر لي خطأي وعمدي، وتقصيري وجهلي، وكل ذلك عندي، وأسأله تعالى أن يجعل حياتنا سعادة، وموتنا شهادة وآخرتنا الحسنى وزيادة.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب من بعض الثغور
خادم العلم وأهله
أبو الوليد الأنصاري/ كان الله له
في أوائل سنة 1428
¥