ـ[أبو عبد الله الروقي]ــــــــ[10 - 05 - 09, 05:19 م]ـ
وهذه ترجمة موسّعة للشيخ رحمه الله تعالى:
الشيخ "بداه ولد بداه ولد البصيري"
الاحد 15 جمادى الأولى 1430
كتبها: محمد سالم ولد محمدو
فقدت موريتانيا يوم الخميس الماضي عالم العلماء، وبقية صالح السلف المزكى الشيخ "بداه ولد البصيري"، وبرحيله تكون حلقتا المصيبة الكبرى قد أُحكمت على الشعب الموريتاني، وتكون شمسه الوهاجة المضيئة قد لحقت بقمره، واتخذت مكانها في مجرة من العلماء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
رحيل العلامة بداه ولد البصيري مثّل كارثة كبرى بالنسبة للموريتانيين الذين لم يفق أكثرهم من هول الصدمة إثر رحيل العلامة محمد سالم ولد عدود، ولم يزد الفاصل الزمني بينهما على أسبوع واحد، الأمر الذي مثل مناسبة حزن عارم في موريتانيا، وتوافد الآلاف إلى المسجد العتيق في نواكشوط ليؤدوا الصلاة على الشيخ "بداه" في مسجده الذي شهد الكثير من علمه وتاريخ دعوته.
حياة عاطرة
وُلد الشيخ العلامة محمدو الملقب بداه ولد محمدو ولد حبيب ولد أحمدو ولد ولد البصيري سنة 1338 هـ سنة 1920م، بعد أربعة أشهر من وفاة والده، متسمّياً باسمه، وتربّى في حجر جده لأمه الشيخ العلامة محمدو ولد حبيب الرحمن، وحفظ القرآن مبكراً وهو دون التاسعة من عمره، كما أخذ العلوم على جم كبير من العلماء، من بينهم الشيخ أحمد ولد أحمذيه الذي أخذ عنه علوم القرآن والتفسير، وظل إلى أيامه الأخيرة في الدنيا يثني عليه ويقول: "ذلك شيخي أحمدو .. من مثل أحمد في العلماء .. "، كما أخذ عن الشيخ المختار ولد ابلول العلامة المصلح والداعية الشهير، كما أخذ عن الشيخ محمد سالم ولد ألما، والشيخ محمد عالي ولد عدود، والشيخ سيدي الفالي ولد محمودا، وعُرف الشيخ منذ شبابه بالورع والصرامة في الحق والدفاع عن السنة والحرص على نشر الخير والدفاع عن الدعاة إلى الله.
وفي سنة 1957نزل الشيخ بداه ولد البصيري في سهل نواكشوط، حينما لم يكن ساكنتها يبلغون مئة شخص، واستقر به المقام في القرية التي ستكون في ما بعد عاصمة نواكشوط بعد أن ظل لسنوات يسأل الله تعالى أن "ييسر الله له منزلاً في الحضر يقرأ فيه كتبه"، ويروي تلاميذ الشيخ أنه في إحدى رحلات البدو، وأمام إلحاح من ساكنة القرية آنذاك وتهديدهم باللجوء إلى القضاء لثني الشيخ بداه عن الرحيل عنهم أقام الشيخ محظرته ومسجده لينطلق من بيت صغير من الطين إشعاع محظرة وتاريخ علم من أعلام الإسلام والمسلمين.
وانطلق الشيخ يدرس ويفتي ويصلح بين الناس، وكان يحب طلابه غاية الحب، ويأسف كلما غادر أحد الطلاب المحظرة، قبل أن يستكمل النظام الدراسي القديم، كما حافظ على دروسه العامة، وخصوصاً درس التفسير الذي بدأه في مساجد البادية، عندما أجازه شيخه العلامة أحمدو ولد أحمذيه في التفسير والقرآن، والذي أجازه في نظمه "مراقي الأواه في تفسير كتاب الله"، وهوكتاب منظوم في أكثر من سبعة آلاف بيت، جمع فيه صاحبه زبدة التفسير من سبعة كتب من كبار كتب التفسير، وكان الشيخ "بداه" يولي درس التفسير عناية خاصة، وعلى الرغم من موسوعيته الفائقة، فقد كان يقوم بالتحضير للدرس، وظل محافظاً عليه إلى سنواته الأخيرة في نواكشوط قبل أن يقعده المرض.
درس الشيخ كل فنون المعرفة الشرعية فقهاً وتفسيراً ولغة ومنطقاً وبلاغة، و كان مدينة علم مسوّرة بالإيمان والإحسان، وكان صورة طبق الأصل من الرعيل الأول، فيه تدفق مالك وموسوعيته، ونحو ابن مالك وفصاحته وبلاغته، وفيه من البخاري ومسلم الصحيحان والمسانيد، وكان إمام الحرمين في الأصول، والعز بن عبد السلام في الصدع بالحق. وكان الجنيدي وعبد الله بن المبارك في الموسوعية والعلم والعبادة والربانية، وكان أب الدعاة إلى الله ومأواهم وإمامهم؛ فالشيخ فقيد الإسلام وفقيد الوطن، ورحيله خسارة لمئات السنين من علم الشناقطة، وآلاف المجلدات من العلوم والفنون والمعارف ..
مواقف في الحق
عُرف عن الشيخ "بداه" صدعه بالحق ودفاعه عن المظلوم فيه، ولايزال الجميع يتذكر خطبه الصادعة بالحق أيام طغيان العقيد معاوية ولد الطايع، ووقوفه الصريح في وجه كثير من المخططات التي تواجه هوية البلد ودينه والعمل الإسلامي بشكل عام.
عهد على قول الحق
¥