ولاحقاً عندما شن النظام الطائعي حملته سنة 1994 على الإسلاميين وقف الشيخ بداه وقفة صارمة ضد الاعتقالات، مؤكداً "أن الإخوان المسلمين لا يقتلون النفس التي حرم الله ولايزنون، وأنهم برآء من كل ما يرمون به"، ولم تقف جهود الشيخ عند هذا الحد، بل بذل النصح للنظام الطائعي، وطالبه بإطلاق سراح الأئمة المعتقلين.
ويذكر طلابه عندما أرسلت إليه إدارة أمن الدولة الموريتانية أحد ضباط الشرطة لكي يتأكد من صحة تزكية أصدرها الشيخ "بداه" للأئمة الإسلاميين المعتقلين آنذاك، فانتهره "بداه"، وانتزع من يده ورقة التزكية وقال له: "كنت أرى أن على من ابتُلي بما ابتُليت به أن يستتر بستر الله، وألاّ يواجه الناس كاشفاً عن وجهه، وأما التزكية فأنا كتبتها، ولست من يخفي موقفه، أو يتراجع عنه". ثم طلب منه أن يخرج فوراً حتى لا يشغله عن الدرس، وانصرف الضابط يجر أذيال الخيبة.
ومع بداية التطبيع أحس الشيخ "بداه" بخطر كبير على الهوية الثقافية للبلد، وكان يؤكد لطلابه أنه لم يعد يطيق أرضاً ترفرف فيها راية إسرائيل.
وعندما دعاه بعض طلابه إلى أن يسلك سبيل المهادنة، ويخفف من حدة خطبه رفض قائلاً: "ما وقفت على هذا المنبر وتذكرت غير الله، ولا أخاف أحداً حتى أهادنه". كما كان يؤكد أنه "أب الجميع، ويدعو الجميع إلى الالتحام".
اطّلاع واسع
بحسب طلاب الشيخ فقد كان قارئا نهماً، وتشهد المكتبة الضخمة للشيخ بذلك، وقد قلّ أن يخلو كتاب في المكتبة من حواش وتعليقات للشيخ "بداه"، ويؤكد هؤلاء أنه قرأ فتاوي ابن تيمية وهي (35) جزءاً، وسجل تعليقاته واستدراكاته على هوامش كل الأجزاء.
كما اهتم الشيخ "بداه" بالناتج الفكري الإسلامي المعاصر، وكان يعبر عن إعجابه الشديد بالإمام حسن البنا وفكره الإصلاحي، ويؤكد تلاميذه أن الشيخ قرأ رسالة التعاليم للإمام البنا، وأُعجب بمضامينها، كما كان يطلب من تلاميذه أن يقرؤوا عليه مذكرات الإمام البنا، وكتب الشيخ سعيد حوى، ويعتبرهما من خيرة المؤلفين، وتزخر مكتبة الشيخ "بداه" بعشرات الكتب التي تعالج قضايا الفكر الإسلامي، وكان يقول: "أنا من الدعاة، وأنا أبو الدعاة، وكل العاملين للإسلام أبنائي".
ويذكر الموريتانيون كيف وقف بقوة ضد محاولات البعض المس من جماعة الدعوة والتبليغ قائلاً: "إنهم قوم ربانيون أولو بركة وسمْت، ومن لم يخرج معهم، فلا أقل من أن يدعهم وشأنهم". وأكثر من ذلك كان يرحل إليهم في مركزهم الكبير في نواكشوط ويحاضر في المركز المذكور، و كان يدعوهم إلى التفقه في الدين والتعلم.
حرب ضد البدعة والتقليد
خاض الشيخ "بداه" حرباً شعواء ضد "الفقهاء الجامدين"، وخصوصاً أولئك الذين انتقدوا عليه إقامة صلاة الجمعة، وكان يرد على الجميع بأدب جمّ، وعلم وافر، مؤكداً أنه إنما يردّ من خلال الوحيين، وعليهما يبني رؤيته وفقهه ومقاصده، وبين تقليد جامد وتجديد يلغي الفقه وتراث العلماء وقف الشيخ "بداه" مؤسساً معالم فقه تجديدي يعيد للمدرسة المالكية ألقها ونضارتها وبهاءها.
وتشهد مؤلفات الشيخ "بداه" المتعددة، تعدد معارفه وموسوعيته على ذلك الجهد الكبير في مجال التأصيل ورد الفروع إلى الوحيين، كل ذلك في أدب جمّ يحسن الربط بين النص وتفسيره ورأي العلماء فيه.
كما خاض الشيخ "بداه" معركة شرسة ضد من أقاموا أسواراً بين مدراس الفقه الإسلامي، وألّف في ذلك عدة كتب من بينها "تنبيه الخلف الحاضر على أن تفويض السلف لاينافي الأخذ بالظواهر، وأسنى المسالك في أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك" وكتابه "حجر الأساس في شرعة خير الناس، والقول المفيد في ذم قادح الاتباع ومادح التقليد".
ولعل مذهبه التجديدي هو ما خلّده في بيتين ذائعين في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية:
تقيّ الدين أحمدُ لا يُبارى
بميدان العلوم ولا يُجارى
برئتُ إلى المهيمن من سماعي
مقالاتٍ يُسبُّ بها جهارا
وكان يؤكد الشيخ "بداه" يؤكد في حواراته مع الفقهاء المتمذهبين "ثقوا بأنكم ستُسألون في قبوركم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس عن أي أحد آخر".
و على الرغم من ذلك ظل الشيخ يحفظ للعلماء مكانتهم، وينهى طلابه عن الاستدلال ببعض مقولاته في التشنيع على بعض المقلدين، قائلاً: "تلك مقولات قلتها وأنا في حال جدال وغضب".
¥