تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يتكلم كثيراً في دروسه عن آداب وأخلاق طالب العلم , يسرد عشرات الأبيات في العلم وفضله , يتكلم عن الصفا ت الخلقية والأخلاقية , بدون أن يكون في ذلك تشبه بالصوفية , أو بالخيال الذي يجعل طالب العلم جسداً مهاناً أمام الشيخ , يسجل الطلاب هذا الكلام بالمسجلات , ينسخونه , يتداولونه بينهم , ثم يطبع مفرقاً, يصبح كلامه أنموذجاً عملياً غير مبالغ فيه , فليس مغرقاً في الخيال , ويناسب الواقع والحياة المعاصرة , ويتلائم بين متطلبات الأسرة والجسد والأقارب , وبعض المناهج التي يذكرها غيره تكاد تغرق في المثالية , وترغب في قطيعة الأرحام وإهمال الأسرة القريبة.

يحذرهم من أن يكون للطالب عقل معطل عن التفكير كما يفعل شيوخ المتصوفة والرافضة , ويتكلم عن الاحترام بين العالم والمتعلم بدون أن يكون هناك تبعية روحية أو تقليد وتعظيم للذوات , تراه سهل لين يضغط بيد ناعمة على يد السائل, ليحاول إفهامه إذا تعسر عليه الفهم , يجلس على الأرض المفروشة بالسجاد , أو التراب والبسط المتواضعة , أو الأرائك الفارهة كل ذلك سيان عنده , فهو معلم من طبقة الشعب يعيش حياتهم ويتقرب لقلوبهم ولا يتكلف من أجل ذلك شيئاً.

في عدد من المجالس شاهدته يجلس على الأرض ويقترب منه السائلون , فيفسح لهم ليكونوا بجواره , وربما رفع رجله ليجلس متحفزاً ليسع المكان للسائل الذي سيجلس بجواره , فكان بعض علية القوم وكبارهم يتحدثون بصوت خافت إنه لا يعجبهم هذا التنازل للناس ويرون أنه يجب أن يكون له أبهة وهيبة زائدة , أما ابن جبرين فكان هو الرجل المتواضع حقاً بدون تكلف وبدون أن يبحث عن شخص يعظمه أو يقدره , فهو يرى نفسه خادما للناس ولطلبة العلم وليس أكثر من ذلك.

جدول دروسه اليومي أشبه بجامعة مفتوحة مجانية , يدرس الكتب الكثيرة , بدون أن يتألم أو يتوجع أو يتذمر , لا يعرف عنه أنه طرد طالباً أو شتم حاضراً , أو تململ من الحضور وانسحب , أو انقطع فترة طويلة لغير سفره للمحاضرات والدعوة خارج الرياض.

يقضي سحابة يومه بين أهله وكتبه ومسجده وطلبته , ومع ذلك يعجب المرء من عدم تخلفه عن إجابة الدعوات الخاصة والعامة , وتلبية الطلبات الخارجية للمحاضرات والندوات , وتسجيل الحلقات التلفزيونية , وتربية أولاده الذين لا يكادون يفارقونه في أغلب رحلاته وزيارته , فهم يذهبون معه بناء على رغبتهم وبطلبهم وليس إكراهاً منه لهم , فترى فيهم الحب والاحترام وحسن التربية والرغبة لمرافقة أبيهم حيثما ذهب.

*****************

شيوخ وتلميذ:

كما يحب طلابه فهو يحب مشايخه ويرى أن الوفاء أعظم من مدحهم في الوجه أو تقبيل رؤوسهم أو أيديهم , قبل عشر سنوات حضرت جنازة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بمكة , فرأيت الجموع بمئات الألوف وبعد خروج الجنازة من المسجد الحرام توجهت للمقبرة.

وكان بن جبرين من خواص طلابه وأحبابه , ولكثرة الزحام طوّق الحرس المقبرة أثناء الدفن بمئات العسكر حتى لا تتهدم القبور , وحتى لا تسقط الجنازة , وكانت لحظة الدفن حزينة جدا ًعلى الناس , بعد فراغ أهله ومن رافقهم من الأمراء والكبراء من دفنه , كنت أشاهد المنظر من خارج المقبرة على أطم صغير جلست على حافته مثل المئات غيري.

خرج الناس وبقي شيخ نحيل الجسم , مصقول الوجه ذا لحية بيضاء نقية , أمام الألوف المؤلفة بقي هذا الشيخ لوحده وهاهو يقف على القبر , رافعاً يديه ودموعه تسيل على خديه وهو يدعوا لصاحب القبر , وذهب الناس وذهبت المواكب الرسمية , وفتحت المقبرة وبقي هو قائم يدعوا لحبيبه بدون أن يتحرك أو يتأفف من حر الشمس , لم يكن الشخص غريباً على الناس فهو ابن جبرين , كان المنظر مؤثراً مثل تأثير الجنازة نفسها , إنه صادق في حبه وصادق في وفائه وصادق في تعامله.

تراه بعد خمسين سنة على فراق مشايخه يذكرهم , ويدعوا لهم ,يعرف الناس بهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير