(ومنها) عدة أحاديث لأبي هريرة-قال نعيم المجمر: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن-الحديث وفيه-ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله-صلى الله عليه وسلم-رواه النسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال: على شرط البخاري ومسلم، وقال البيهقي: صحيح الإسناد وله شواهد.
(ومنها) قوله: عن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم رواه الدارقطني وقال: رجال إسناده كلهم ثقات، ولكن اختلف غيره في عبد الله بن عبد الله الأصبحي من رجاله.
(ومن الآثار في المسألة) أن عليًّا كرم الله وجهه سئل عن السبع المثاني فقال: الحمد لله رب العالمين، أي سورة الحمد لله .. الخ فقيل له: إنما هي ست، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. رواه الدارقطني وقال: رجال إسناده كلهم ثقات.
(ومنها) إنكار الصحابة على معاوية ترك الجهر بها. رواه الشافعي عن أنس والحاكم في المستدرك وقال: على شرط مسلم قال: صلى معاوية بالناس بالمدينة صلاة جهر فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولم يكبر في الخفض والرفع، فلما فرغ ناداه المهاجرون والأنصار: يا معاوية نقضت الصلاة، أين بسم الله الرحمن الرحيم وأين التكبير إذا خفضت ورفعت؟ فكان إذا صلى بهم بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وكبر. ولعل المراد الجهر بذلك وإلا لأعاد الصلاة؛ إذ لا يعذر مثله بجهل كون البسملة منها. ويحتمل أن يكون أعادها وإن لم يذكر في هذه الرواية.
وأما أحاديث النفي ..
(فأقواها) حديث أنس: صليت مع النبي-صلى الله عليه وسلم-وأبى بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن وله ألفاظ أخرى.
(ومنها) فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. رواه أحمد والنسائي لا القراءة، وفي لفظ لابن خزيمة: كانوا يسرّون إلخ، وقد أعلّ المثبتون حديث أنس هذا بالاضطراب في متنه، وبما رُوي من إثبات الجهر بها عنه وعن غيره، وقال بعضهم: إنه كان نسي هذه المسألة فلم يجزم بها، قال أبو سلمة: سألت أنسًا أكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: إنك سألتني عن شيء ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك. الحديث رواه الدارقطني، وقال: هذا إسناد صحيح.
(ومن أدلة النفي) ما صح في الحديث القدسي من قسمة الصلاة بين العبد والرب نصفين وفسرها-صلى الله عليه وسلم-بقوله: فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله عز وجل: حمدني عبدي إلخ الحديث رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة، والاستدلال بترك ذكر البسملة فيه على عدم كونها من الفاتحة ضعيف، ولو صح لصح أن يستدل به على كون سائر الأذكار والأعمال ليست من الصلاة، والقول الجامع: أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان يجهر بالبسملة تارةً ويسر بها تارةً. وقال ابن القيم: إن الإسرار كان أكثر.
وذهب القرطبي في الجمع بين الأحاديث إلى أن سبب الإسرار بها قول المشركين الذين كانوا يسمعون القرآن منه: محمد يذكر إله اليمامة. يعنون مسيلمة الكذاب لأنه سمي الرحمن أو أطلقوا عليه لفظ رحمن بالتنكير كقول مادحه: وأنت غيث الورى لا زالت رحمانا وكانوا يشاغبون النبي-صلى الله عليه وسلم-بإنكار تسمية الله-عز وجل-بالرحمن كما علم من سورة الفرقان وغيرها، فأُمر-صلى الله عليه وسلم-بأن يخافت بالبسملة، قال الحكيم الترمذي: فبقي إلى يومنا هذا على ذكر الرسم وإن زالت العلة. روى ذلك الطبراني في الكبير والأوسط، وذكره النيسابوري في التيسير من رواية ابن جبير عن ابن عباس، وقال في مجمع الزوائد: إن رجاله موثقون.
وصفوة القول: إن أحاديث الإثبات أقوى دلالة من أحاديث النفي، وأولى بالتقديم عند التعارض، وإذا فرضنا أنها تعادلت وتساقطت أو ربح المنفي على المثبت خلافًا للقاعدة جاء بعد ذلك إثباتها في المصحف الإمام في أول الفاتحة وأول كل سورة ماعدا براءة (التوبة) وهو قطعي ينهزم أمامه كل ما خالفه من الظنيات، وقد أجمع الصحابة على أن كل ما في المصحف فهو كلام الله-تعالى-أثبت كما أنزل سواء قرئت الفاتحة في الصلاة بالبسملة جهرًا أو سرًّا أم لم تقرأ، ولا عبرة بخلاف أحد بعد ذلك ولا برواية أحد يزعم مخالفة أحد منهم لذلك.
¥