ـ[المتولى]ــــــــ[27 - 09 - 09, 03:16 ص]ـ
السؤال
مسألة البسملة طال النزاع فيها هل هي آية من الفاتحة ومن كل سورة أم لا؟ وذهب كل فريق إلى سرد الأحاديث المتعارضة، ونقل الآثار المتناقضة، صحيحة كانت أم ضعيفة.
فقال البعض: انعقد الإجماع على أن البسملة آية من القرآن، ومن أدلتهم أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما (من ترك البسملة فقد ترك مائة وأربع عشرة آية من كتاب الله عز وجل) مع تصريحهم بأنه لا خلاف في أن البسملة ليست آية من (براءة) وهذا تناقض ظاهر، إذ مقتضى قوله: مائة وأربع عشرة آية أنها آية حتى من (براءة) وفي الأدلة من ذلك التناقض كثير؛ فنرجو موافاتنا ببيان المسألة بيانا شافيا.
الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
فالبسملة آية من كل سورة غير (التوبة) لإجماع الصحابة على كتابتها في المصاحف، وإجماع القراء على قراءتها غير (التوبة)، ويؤيد هذا التواتر الخطي والقولي كثير من أحاديث الإثبات الصحيحة، فوجب إرجاع ما ورد من أدلة النفي الظنية إلى الإثبات وإلا فلا يعتد بها، وإن صح سندها؛ لأن أحاديث الإثبات أقوى دلالة من أحاديث النفي، وأولى بالتقديم عند التعارض.
يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل:
في المسألة أدلة قطعية وأدلة ظنية، والقاعدة في تعارض القطعي مع الظني أن يُرجح القطعي إذا تعذر الجمع بينه وبين الظني، ولولا التعصب للمذاهب من قوم وللأسانيد من آخرين لأجمع المحدثون والفقهاء والمتكلمون على أن البسملة آية من كل سورة غير براءة (التوبة) كما أجمع الصحابة على كتابتها في المصاحف، وكما أجمع القراء السبعة المتواترة قراءاتهم على قراءتها عند البدء في كل سورة غير براءة- فهذان دليلان قطعيان أحدهما خطي متواتر والآخر قولي متواتر يؤيدهما كثير من أحاديث الإثبات الصحيحة، فوجب إرجاع ما ورد من أدلة النفي الظنية إلى الإثبات وإلا فلا يعتد بها، وإن صح سندها، ومنها ترك بعض القراء السبعة لتلاوتها في السورة التي توصل بما قبلها.
أما دعوى أنها كتبت في المصاحف للفصل بين السور فلو كانت صحيحة لكتبوها بين سورتي الأنفال وبراءة (التوبة) أيضًا, ومن المعلوم بالقطع أن الصحابة ومن اهتدى بهديهم لم يكتبوا في المصاحف شيئًا غير كلام لله -تعالى-.
وأما حديث ابن عباس (كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم) رواه أبو داود والحاكم وصححه على شرط الصحيحين والبزار بسندين رجال أحدهما رجال الصحيح - فهو حجة على أن البسملة كانت تنزل مع كل سورة، لا أنها آية كُتبت للفصل بين السور بالاجتهاد، وقد توفي-صلى الله عليه وسلم-ولم يأمر بكتابتها في أول سورة براءة وعللوا ذلك بنزولها بنقض عهود المشركين وبالسيف.
وأما أحاديث الإثبات ..
(فمنها) حديث (نزلت عليّ آنفا سورة- فقرأ-بسم الله الرحمن الرحيم.إنا أعطيناك الكوثر) إلخ رواه مسلم والنسائي عن أنس.
(ومنها) سئل أنس: كيف كانت قراءة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال: كانت مدًّا ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم-يمد ببسم الله ويمد بالرحمن ويمد الرحيم.رواه البخاري، وفي معناه حديث أم سلمة عند أحمد وأبي داود والدارقطني وقد قرأت الفاتحة كلها بالبسملة.
(ومنها) عدة أحاديث لأبي هريرة-قال نعيم المجمر: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن-الحديث وفيه-ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله-صلى الله عليه وسلم-رواه النسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال: على شرط البخاري ومسلم، وقال البيهقي: صحيح الإسناد وله شواهد.
(ومنها) قوله: عن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم رواه الدارقطني وقال: رجال إسناده كلهم ثقات، ولكن اختلف غيره في عبد الله بن عبد الله الأصبحي من رجاله.
(ومن الآثار في المسألة) أن عليًّا كرم الله وجهه سئل عن السبع المثاني فقال: الحمد لله رب العالمين، أي سورة الحمد لله .. الخ فقيل له: إنما هي ست، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. رواه الدارقطني وقال: رجال إسناده كلهم ثقات.
¥