تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتذكرت قول أبي بكر الصديق عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت) فهدأ الجأش وخفّ الاضطراب وعدت إلى طوري نوعاً ما، وأخذت أستعد للعودة إلى الطائف حيث توفى شيخي.

وقد كنت جئت إلى مدينة الرياض مساء الأربعاء لزيارة أهلي وأولادي. فسافرت في رحلة الساعة الثانية والنصف إلى الطائف كما سافر جميع زملائي الذين كانوا جاؤوا مثلي إلى الرياض ليومي الخميس والجمعة.

وصلتُ إلى مدينة الطائف والخزن غالب عليّ وعلى زملائي وعلى كل من لقيته، بل على الجو والهواء وعلى الطقس والفضاء، وصلتُ إلى منزل شيخي فوجدته مزدحماً شديد الازدحام لا يجد القادم متنفساً، وعزّيت نفسي وزملائي وأبناء شيخي وتلاميذه ومحبيه والمشايخ والعلماء والدعاة الذين كانوا تدفقوا من كل أنحاء المملكة.

وفي صباح يوم الجمعة الموافق 28\ 1\1420هـ سافرتُ، كما سافر الآخرون إلى مكة المكرمة للصلاة على الفقيد في المسجد الحرام بعد صلاة الجمعة، فوجدت المدينة تحولت إلى مدينة مكتظة بالقادمين إليها من داخل المملكة وخارجها، وقد بلغني فيما بعد أن المطاعم ومحطات البنزين أصبحتا فارغتين من محتواهما لكثرة الواردين إليهما. واكتظَ المسجد الحرام بالمصلين كأنه في ليلة السابع والعشرين من رمضان أو أكثر.

وألقى فضيلة الشيخ محمد السبيل خطبته وذكَر المسلمين بوفاة النبي ووطأته على الصحابة الكرام ثم صبرهم على ذلك الخبر المحزن، ودعا المصلين إلى الصبر والسلوان،

وقال: إن فقيدنا رحمه الله هو إمام أهل السنة في هذا العصر، وإنه المحدث العظيم وعلامة دهره وفقيه عصره قلّما يجود الزمان بمثله، نذر حياته منذ شبابه لخدمة هذا الدين وأهله. وما إن سمع المستمعون أوصاف فقيدنا هذه، حتى أجهشوا بالبكاء وارتفعت أصوات بكائهم في أنحاء المسجد. فلما انتهى فضيلته من صلاة الجمعة تدفق الناس إلى جنازة شيخي تدفقاً، لولا فضل الله ورحمته لوقع كثير من الناس صرعى.

وبعد صلاة الجنازة حمل نعشه فأخذ يسج على رؤوس الناس من كثرة من يريد أن يحمله.

وقد قدّر عدد الذين صلوا عليه أكثر من مليوني شخص. وهذا عدد لم ير له مثيل في هذا العصر.

ثم وري جثمانه في مقبرة العدل بمكة المكرمة. فرحم الله شيخي ومرشدي رحمة الأبرار وأعلى مقامه بين الصديقين والشهداء والصالحين، ورحمني معهم وجمعني بهم في الفردوس الأعلى إنه سميع قريب.

وفاته رحمه الله هزّت العالم الإسلامي بأسره:

لقد انتشر خبر وفاته رحمه الله في العالم كله خلال ثلاث ساعات فقط، واهتز المسلمون شديد الإهتزاز. لم أسمع مثله ولم أقرأ في كتب التاريخ الاسلامي أنه وقع مثل هذا عند وفاة أحد من العلماء والمصلحين. فقد تلقيت عشرات المكالمات الهاتفية من محبي الفقيد وتلاميذه الذين درسوا عليه في الجامعة الإسلامية المنتشرين في دول أوروبا وأمريكا وآسيا، بعضهم يعزيني في وفاته، وبعضهم يريد أن يتأكد من صحة الخبر. ومنهم الأخ الأستاذ رفيق المقيم في كندا، فقد اتصل بي وأنا في طريقي من المطار إلى مدينة الطائف،

وقال لي: إن الناس هنا في هرج ومرج واضطراب شديد، لا يكادون أن يصدقوا هذا الخبر، وأنا لا أكاد أصدقه، فهل فعلاً مات شيخ الكل في الكل، هل مات إمام أهل السنة في هذا العصر، هل توفى أمير السلفيين في العالم؟؟ ثم أجهش بالبكاء.

صلاة الغائب على الفقيد في جميع أنحاء العالم:

وقد صلى عليه المسلمون صلاة الغائب في جميع أنحاء العالم. وأخص بالذكر أهل الحديث في شبه القارة الهندية الباكستانية، فإنهم كانوا يعتبرونه حقاً إمامهم وأميرهم، وكانوا يرجعون إليه في كثير من أمورهم، وكانوا يحبونه حباً لا أظن أن أحداً في البلاد العربية استطاع أن يعرف مداه. ولذا أعلنت جماعة أهل الحديث الهندية والباكستانية، وأعلن الداعية الكبير الشيخ مختار أحمد الندوي السلفي عن إقامة صلاة الغائب عليه رحمه الله في كل مسجد جامع تابع للجماعة، وأعلنوا في جرائدهم ومجلاتهم أنه مات اليوم إمام السلفيين في هذا العصر، ودخل الحزن في كل بيت من بيوت أهل الحديث.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير