قد بلغني أن عشرات من المجلات السلفية في الهند ونيبال وباكستان تستعد الآن لنشر أعداد خاصة عن مآثر الفقيد وجهاده لرفع راية الإسلام وإرساخ دعائم المنهج المؤسس على كتاب الله وسنة رسوله في أنحاء العالم.
رؤيتي الأولى لسماحته:
لقد رأيت سماحته في المرة الأولى عند قدومي إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في شهر رمضان من سنة 1382هـ وهو نائب رئيس الجامعة إذ ذاك. وأنا طالب صغير، بل أصغر طلاب الهند سناً في الجامعة. وكان ديدن سماحته أنه كان يدعو كل طالب جديد في مكتبه يرحب به طالباً في الجامعة ويشجعه ويسعى لإزالة أثر الغربة وفراق ذويه عن دماغه. فوجدته طويل القامة ظاهراً بين مرافقيه، هادئاً متواضعاً بشوشاً يحظى بأدب جم واحترام ملؤه الحب والتقدير ممن حوله من العلماء والمدرسين والموظفين وغيرهم.
وأخذت أسمع من فطاحل العلماء الذين كانوا يدرسون آنذاك في الجامعة عن غزارة علم شيخي وبلوغه درجة الاجتهاد وعدم تقيده بمذهب فقهي معين وانتهاجه منهج المحدثين واستقائه من ينابيع القرآن والسنة كما استقى منه المحدثون الأوائل.
فأخذ من قلبي مأخذ واشتدت رغبتي في الاستماع إلى أحاديثه ومحاضراته ودروسه، لأني سلفي بن سلفي بن سلفي، وتربيت في صغري بين يدي علماء أهل الحديث، وجدي رحمه الله قضى ثماني عشرة سنة من شبابه في صفوف المجاهدين لإقامة الدولة الإسلامية في شبه القارة الهندية، ولم يرجع إلى بلده إلا عندما توقف الجهاد الإسلامي. وهكذا أخذ يزداد تعلقي به رحمه الله.
وقد ألقى في تلك الأيام شيخي العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني محاضرة علمية على طريقة المحدثين، واستمع الحضور إليها استماع التلاميذ إلى درس شيخهم، وهابوا لمكانته واعترفوا له بعلو الكعب في مجال علم الحديث روايةً ودرايةً. وكنت أظن أن لا أحد يجرؤ على الحديث بعد حديثه، وإذا بشيخي-رحمه الله- قام من مكانه وعلّق على محاضرة العلامة المحدث تعليقاً علمياً دقيقاً، وأبدى ملاحظات حديثية، كلها كان يتعلق بعلوم الحديث سنداً ومتناً.
ثم قام المحدث ناصر الدين الألباني وشكر الشيخ رحمه الله واعترف له بغزارة العلم. فكانت هذه الواقعة بمثابة دليل قاطع على علو كعب شيخي وبروزه من بين معاصريه في علوم الكتاب والسنة. وهكذا ارتسخ في ذهني علو مكانته وأنه الشيخ الذي يجب أن يحتذى.
اهتمامه بطلاب الجامعة خاصة وبالشباب الإسلامي عامة:
كان رحمه الله شديد العناية بالطلاب الذين يأتون إلى الجامعة للدراسة، وكان يقرّبهم من نفسه ويطلب منهم الجلوس بجانبه، ويسألهم أحوالهم في محيط الجامعة ويطمئن على سير دراستهم وصحتهم وراحتهم في المسكن، ويحل المشاكل بينهم إن وجدت، ويغتنم كل فرصة للحديث إليهم ينصحهم بالاجتهاد في الدراسة والاخلاص في النية والعمل بما يتعلمون.
وهكذا يسعى جاهداً ليل نهار أن يربيهم على الخير ويسلحهم بالإيمان والغيرة لدينهم والاستعداد للقيام بالدعوة إلى الله إذا رجعوا إلى بلادهم.
وكان هذا ديدنه مع الشباب الإسلامي بصفة عامة، فقد كان يهتم بهم أكثر ويستمع إليهم ويشجعهم على التزود بالعلم الشرعي والتقوى في السر والعلن والعمل بدينهم والإخلاص له أينما حلوا وارتحلوا. وكان –رحمه الله- يتأسى بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، إذ كان يهتم بصغار الصحابة أكثر، لأنهم هم أمل الأمة في المستقبل، أمثال أسامة بن زيد وعبدالله بن عباس وعبدالله بن عمرو بن العاص وعبدالله بن عمر ومعاذ بن جبل وجابر بن عبدالله، وغيرهم كثيرون لا يسع المقام لذكرهم.
وهذا بين واضح لكل من عمل تحت إشرافه، فألوف الرسائل الواردة من أبناء وبنات المسلمين في الدول العربية وغير العربية إلى سماحته وانتهاجهم منهجه، وعنايته –رحمه الله- بهم وبطلباتهم لدليل قاطع على ما ذكرت. وقد كان لهذا كله أثر عظيم على مستوى العالم. فإن المتتبع لأخبار الشباب الإسلامي في العالم يعلم أن ملايين الشباب المسلمين الآن يدعون بدعوة الفقيد ويفتخرون بالإنتماء إليه. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
¥