تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لذا المسلمون من كل أنحاء الأرض كانوا يتوافدون إليه، وشيخنا يوصي بهم الحكام والأمراء والتجار خيراً، ويطلب لهم المساعدات المالية وهكذا استطاع –رحمة الله عليه- أن يرعى مئات الجامعات والجمعيات والمدارس الإسلامية في العالم. وكذلك إذا علم بحاجة منطقة إلى جامعة أو مدرسة إسلامية ووجد فيها أحداً من تلاميذه أو الدعاة الذين كان يثق فيهم، أمره بالقيام بهذه المهمة ووعده بالتعاون والمساعدة المادية والمعنوية.

جامعة ابن تيمية بالهند

ومن تلك الجامعات (جامعة ابن تيمية) بمدينة السلام في ولاية بيهار بشمال شرقي الهند. فقد كتب إليه بعض مشايخ أهل الحديث من المنطقة المذكورة، أن المنطقة بحاجة ماسة إلى جامعة سلفية، وأن تلميذكم محمد لقمان يستطيع القيام بهذه المهمة، فاستدعاني واشار علي بل أمرني بها. وهذا قبل أربع عشرة سنة من الآن أعني في سنة 1409هـ. وقد وافق على تسميتها بجامعة ابن تيمية تيمناً باسم شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله. وقد ساعدني وشجعني وكتب إلى الأمراء والتجار وأهل الخير للتبرع لمشاريعها حتى أصبحت الآن من أشهر الجامعات الإسلامية الأهلية في شبه القارة الهندية.

وقد فتحت إحياءاً لاسمه الميمون مركزاً للدراسات الإسلامية في الجامعة، وسميته باسمه، ووافق على التسمية، إذ قال عندما عرض عليه طبي: " الأمر فيه سعة" وهو مركز يعنى بإعداد الكتب الدعوة في عدة لغات حية بواسطة باحثين متفرغين يعملون فيه. وأنا فخور بأن شيخي كان راضياً بعملي هذا، وكان يشجعني بشتى الوسائل. كما أنا فخور بأني تلميذه الوحيد الذي أحيى ذكره بفتح مركز علمي يندر مثله. وقد بدأت في طباعة الكتب المعدة في المركز المذكور بمدينة الرياض بالتعاون مع دار الداعي للنشر والتوزيع. والحمد لله الذي بفضله وكرمه تتم الصالحات.

ولائي وولاء أهلي وأولادي للشيخ

لقد انتقل شيخي إلى الرفيق الأعلى، ولا أظن أن أحداً يتهمني الآن بالرياء والظهور أو بالأطماع الدنيوية، إلا الحاسد وهذا أسأل الله له الشفاء. فأقول: إني أحببت شيخي ومرشدي حباً في الله ولله، لا يشوبه غرض دنيوي. ويبدو لي أن الرؤيا التي رأيتها قبل سنتين، وهي أني بايعته مع مجموعة من تلاميذه الذين بايعوه، كانت نتيجة هذا الحب الذي تغلغل في سويداء قلبي منذ الصغر.

وقد كان دأبي أني إذا رأيت شيخي يعمل عملاً صالحاً (قولاً أو فعلاً) ذكرته لأهلي وأولادي على مائدة الغداء والعشاء وطلبت منهم أن يعملوا مثله ويحتذوا به. وكنت أقول لهم: إن شيخي لا يقول قولاً ولا يعمل عملاً إلا عليه دليل من القرآن والسنة فعليكم به، حتى لا يفوتكم الخير الكثير.

وكان من نتائج هذا الذكر المتواصل لشيخي أمام أفراد أسرتي، أنهم كلهم كانوا يحبون شيخي ويتابعون أخباره وجهوده وجهاده. وقد رأت أهلي فيما يراه النائم قبل أكثر من عشر سنوات أنها تقدم طعاماً لشيخي في بيتي، وطلبت مني أن أسأل العلماء تعبير هذه الرؤيا، فقلت لها: السكوت أفضل حتى لا أتهم بغرض مادي، فقد أحببناه لله، وظاهر الرؤيا يشير إلى الخير.

ولذا كان خبر وفاة شيخي له وقع عظيم على أفراد أسرتي، وساد وجوم شديد على بيتي لعدة أيام. فرحم الله شيخي ومرشدي، وجزاه عنا كل خير وأسكنه الفردوس الأعلى، إنه سميع قريب.

وقد زرته في مستشفى الهداء مساء يوم الأحد وقبلت جبينه ثلاث مرات، فاهتز –رحمه الله- مما رآني أعمل. وبعد دقائق سألني عن أولادي، والغرفة فيها كثيرون، فكدت أن لا أتمالك نفسي من شدة جيشان العاطفة، فخرجت ودموعي لا تكاد تقف. ثم زرته في المرة الأخيرة مساء يوم الثلاثاء، أي المساء الذي طلب فيه من أبنائه أن يعيدوه إلى منزله. فلما مسكت رأسه بيدي وقبلت جبينه الشريف، ناداني باسمي، ولم يقل شيئاً وصوته وأسلوبه أسلوب الذي يودع، فألقي في قلبي أن شيخي أزف رحيله من هذه الدنيا بعد عمر مديد ملئ بالجهاد لإعلاء كلمة الله في العالم.

وهكذا كان، فقد سافرت مساء يوم الأربعاء لزيارة أولادي في الرياض، وفي تلك الليلة فارق الدنيا وهمومهما وانتقل إلى الرفيق الأعلى، ويرجى له الخير بشهادة الأمة الإسلامية قاطبة في هذا العصر. فرحمك الله يا أبا عبدالله وأسكنك فسيح جناته، وأخلفك في دعوتك وجهادك خير تلاميذك والعلماء الذين تربوا بين يديك.

مكانته بين علماء العصر وبعض مزاياه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير