ولما كان لوفاة الشيخ - رحمه الله – من أثر عظيم على نفوس الناس، ووقع أليم على أهل السنة والجماعة، ومن باب الثناء على المحسنين بسجاياهم الكريمة وخصالهم الحميدة، ومن باب بر الشيخ ووفائه وذكر فضله كتب هذه الأحرف وسطرت هذه الكلمات .. وماذا عساي أن أقول والفقيد بحجم ومكانه ابن جبرين – رحمه الله – ماذا عساي أن أقول والكلمات تتلعثم عن البيان، ويقف البيان عصياً وكالاً، والفؤاد مكروب محزون يكاد يتفطر، والنفس تتحسر، لقد فجعنا بالفجيعة الكبرى، والطامَّة العظمى .. ماذا عساي أن أتكلم والعبارات قد ندت شاردةً عني، ولكنها شأبيب من القول بعضها آخذةٌ برقاب بعض في ذكر هذا الإمام العلم. الذي انهد بموته جانب عظيم من الحكمة والفقه والبصيرة في دين الله تعالى ..
وما كان قيسٌ هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
أيُّ رجلٍ هذا الذي قضى نحبه ولاقى ربه إنه طودٌ شامخٌ أشم ونجمُ قد هوى، وبدر تم قد أفل، وكأنه بنيان قوم تهدم.
وما كان إلا كالسحابة أقلعت وقد تركت للناس مرعىً ومشرباً
سنة ماضية ..
إن الموت آتٍ على كل أحد وهو سنةُ في الناس ماضية قال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) وقال تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) فهو سبحانه الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون، وكذلك الملائكة وحملهُ العرش، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخراً كما كان أولاً وهذه الآية كما قال ابن كثير فيها تعزيةُ لجميع الناس، فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت.
هو الموت ما منه ملاذُ ومهربُ متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نشاهد ذا عين اليقين حقيقةً عليه مضى طفل وكهلٌ وأشيبُ
نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلَّ الردي مما نرجيه أقرب
ثلمة ..
إن موت العالم ثلمة في الدين ومصيبة كبرى قال الله تعالى: (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها .. ) قال ابن عباس – رضي الله عنه – خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها، ومما جاء في بيان الرزية بفقد العلماء ما رواه الشيخان في صحيحهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جُهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) قال ابن مسعود – رضي الله عنه – يوم مات عمر: إني لأحسب تسعة أعشار العلم اليوم قد ذهب. وقيل لسعيد بن جبير ما علامة هلاك الناس قال: إذا هلك علماؤهم. ونقل عن علي وابن مسعود والحسن أنهم قالوا: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار. وقال سفيان بن عيينة: وأيُّ عقوبةٍ أشد على أهل الجهل أن يذهب أهل العلم. نعم وأيُّ ثلمةٍ أصابت الإسلام كثلمته بموت إمام من أئمة أهل السنة والجماعة في هذا العصر الشيخ /عبد لله ابن جبرين، وأيُّ قارعةٍ ونازلةٍ حلت ببني الإسلام بموت هذا الجبل الأشم والإمام العلم.
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمُها متى يمت فيها يمت طرفُ
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها وإن أبى عاد في أكنافها العطبُ
وقال آخر:
إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمة
وقال آخر:
لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد شهم يموت لموته خلق كثير
علم وعمل ودعوة:
كان الشيخ ابن جبرين عالماً يعمل بعلمه، وفقيهاً يفتي على بصيرة، ويتمسك بالدليل والحجة، كان نير الفكر، صحيح الاعتقاد، مطبقاً للسنة، قامعاً للبدعة، داعياً إلى التوحيد، رافعاً رايته، زاهداً في الدنيا، رحب الجناب، بذولاً للعلم والمال والشفاعة، رفيقاً بالأصحاب والزوار، مع الخلق الأتم والأدب الجم.
إنه ما من أحد من طلبة العلم في هذه البلاد المباركة وغيرها من بلدان المسلمين والعالم قاطبة إلا واستفاد من الشيخ وتتلمذ عليه إما مباشرة بالحضور وإما عن طريق الدروس العلمية والمحاضرات في شتى مناطق المملكة ناهيكم عمن استفاد من الشيخ بالسماع عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والهاتف والإنترنت.
¥