تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[24 - 07 - 09, 03:14 م]ـ

وفاة العالم ابن جبرين الذي كان أمة

د. نورة خالد السعد

أكتب عن وفاة شيخنا الفاضل العلامة الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، وأنا لست في مقام الكتابة عن عملاق في قامته العلمية وميراثه العلمي والسلوكي الذي يظل شاهدا على بقائه في ذاكرة طلابه ومحبيه - يرحمه الله -، فالعالم يخلد بعلمه ودعوته ومؤلفاته رغم موته البيولوجي فتلك سنة الحياة على البشر. وما زال صوته يتردد في مسمعي عندما تلقيت مثل غيري خبر وفاته - يرحمه الله - بعد أن تابعنا جميعا أخبار مرضه وسفره للعلاج ثم عودته إلى الرياض ليلقى وجه ربه فيها.

صوته الذي يردد: (إن الله كتب الموت على الصغير والكبير، والشريف والطريف، والعالم والجاهل، ولكن لا شك أن موت العلماء مصيبة كبيرة، لأن بفقدهم يفقد العلم الذي هو ميراث الأنبياء، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهالا فيسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).

هذه العبارات تحمل في طياتها منهاجا لنا - محبيه - ماذا يجب علينا أن نعمل كي نبقي هذا العلم الذي قدمه وتميز فيه، وهذا التاريخ الذي يحمله كل محب له وكل طالب علم سواء داخل الوطن أو خارجه، فمن قرأ ما كتب في موقع «لجينيات» أو في «الاقتصادية» أو سواها من مقالات في جميع الصحف لدينا، عن هذا العلامة المبدع الذي تميز بخصائص العلماء من التواضع، والزهد، والترفق مع المحتاجين من طلابه دون علمهم، فقد كان هناك إجماع على تميز هذا الشيخ الدقيق في المظهر العملاق في الفكر وفي الفتوى. وكما ذكر عنه الدكتور يوسف القاسم في مقالته: (خصم العلامة ابن جبرين وقاتل مروة وجهان لعملة واحدة) المنشورة في «الاقتصادية» في عددها 5757 يوم الخميس 23/ 7/1430هـ. الموافق 16 تموز (يوليو) 2009: (أنه له جلد في طلب العلم, وتحصيله, ثم في تعليمه, وبذله لطلابه, حتى إنه من أكثر مشايخ هذه البلاد دروسا في المساجد, حيث كان يُقْرأ عليه في الأسبوع الواحد أكثر من 40 كتابا, وفي علوم متنوعة. ومن حرصه على العلم وتحصيله أنه كثيراً ما كان يتردد على أهل العلم, ويتودد إليهم, ويتواضع لهم)، ومصداقا لهذه العبارات ما نشاهده من حضوره لجلسات العلم لمن هم أصغر منه عمرا وربما كانوا من طلبته، يتم بثها على بعض القنوات!

الموت حق، ولكن موت العلماء مصيبة. نعم فعندما نقرأ في سير السلف الصالح وفي سير العلماء يمتلك قلوبنا الحزن عندما نقرأ أنَّ عالماً من العلماء قد غادرنا وفي هذه المرحلة المهمة من المتغيرات الاجتماعية والفكرية تعصف بالعالم الإسلامي وليس الوطن فحسب، والتي تتطلب حكمة هؤلاء وعلمهم ومجاهرتهم بالحق.

والشيخ عبد الله بن جبرين هو النموذج والقدوة فقد كانت فتاواه محل حفاوة وقبول لدى الجميع إلا من ران على قلوبهم، وكان يتمتع بالمصداقية والجرأة في الحق كما هي في صدق اللهجة، لا يخشى في الله لومه لائم, ولهذا كان جبلا شامخا لمن يلجأ إليه مستفتيا أو طالبا النصح أو المساعدة لتقويم اعوجاج اجتماعي بدا يطفو على سلوكيات وفكر البعض.

وكما نشر عنه أنه لم يتميز عن الآخرين بالرسوخ فقط أو بالتواضع فقط أو بالقلب السليم فقط. بل أيضا تميز - رحمه الله - بأنه يستعذب النصب والتعب في تبليغ العلم وتعليمه لذا ما صبر أحد حوله مثل صبره.

وكان زاهدا لم يستثمر علمه في زيادة أرصدته! بل كان علمه كالهواء متاحا للجميع دون استثناء.

رحل عنا الشيخ الفاضل الدكتور عبد الله بن جبرين وترك ثغرته كما تركها سابقا علماؤنا الذين مازلنا نشعر بفقدهم وببقائهم في الوقت نفسه كالشيخ العلامة عبد العزيز بن باز - يرحمه الله - والشيخ محمد بن عثيمين - يرحمه الله، أولئك الراحلون إلى جنات النعيم - بإذن الله -, لكننا لن نؤتى من قبلها فلقد حصنوها بالتوحيد وسوروها بالعقيدة الصافية. وماتوا مثلما مات الأنبياء والصالحون ولكن ستبقى أجيال تنهل من علومهم ومعارفهم وأفكارهم وتراثهم.

السؤال هنا ماذا يجب علينا أن نعمل كي نبقي هذا الضوء والمشعل الذي حملوه مشعا لا يخمد؟

كيف نعلم أبناءنا هذه الأبجديات الأخلاقية التي يتحدث عنها طلابهم؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير