تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[26 - 07 - 09, 06:00 ص]ـ

في رثاء سماحة الشيخ عبد الله الجبرين

د. طارق بن محمد الخويطر

ودّعت الأمة الإسلامية في العشرين من شهر رجب من عام ثلاثين وأربعمائة وألف للهجرة، الشيخ الحفي الوفي التقي النقي الزكي الدكتور: عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، رحمه الله رحمة الأبرار، فقد كان من العلماء الأصفياء، والأولياء الأخيار، والأتقياء الصالحين، وهو ممن اتصلت محامده، وعلت مبانيه، وجلت مكارمه، فله من كل فضيلة السهم الأعلى والقدح المعلى.

وقد سعدت بصحبته رحمه الله منذ سنين، وكانت أول معرفتي بسماحته سنة ثلاث وأربعمائة وألف، حين كان يشرح (كتاب التوحيد) في جامع الإمام تركي بن عبد الله، ولما رأيت تدريسه، وعلمه، وطريقة شرحه، وحلمه، وتواضعه، ومعاملته الحسنة، وإنكاره للذات، أحببت أن أصحبه، فبدأت بحضور دروسه، وأول علاقتي به شخصيًا أنني عرضت عليه أن أقوم بكتابة بعض محاضراته وإعدادها للنشر، فوافق مشكورًا، ثم توطّدت علاقتي به، وبدأت أزوره في بيته وأجلس معه بعض الأوقات، ثم بدأت أسير معه في بعض رحلاته التي يقوم بها خارج الرياض.

والحقيقة أنّ الكلام عن الشيخ رحمه الله وبخاصة عن برنامجه العلمي كلام طويل، لا تكفيه هذه الأوراق المعدودة، فقد لاحظت عليه كثرة دروسه ومحاضراته وكلماته، حتى في أيام الحج القليلة، فكان له جدول كامل في مصلى الحرس الوطني، يلقي فيه كلمات ومحاضرات؛ بعد الفجر، والعصر، والعشاء، وأحيانًا بعد الظهر، وبعد المغرب، وكنت بعد انتهاء كلمته أعرض عليه من الأسئلة التي يقدمها الجلوس من الحجاج الذين أتوا إلى معسكر الحرس الوطني، فكان يجلس بعد صلاة الفجر إلى ما بعد الإشراق في كلمته، ثم ألقي عليه الأسئلة، ثم بعد أن تنتهي هذه الكلمة وبعد أن تنتهي هذه الإجابات يجلس في المصلى أيضًا ليستمع لبعض أسئلة الحضور الذين لم أتمكن من عرض أسئلتهم عليه.

وبعد ذلك يذهب إلى خيمته ليرتاح قليلاً، ثم يجلس في الساعة التاسعة أو قبل ذلك للإجابة على الأسئلة التي تلقى عليه من زوار المخيم، ومن الذين لم يتهيأ لهم حضور هذه الكلمات التي تُلقى في المصلى، وقد وُضِع أيضًا عنده جهاز الهاتف ليرد على أسئلة المتصلين، وأيضًا وُضعت بعض الجولات مع بعض الدعاة في المخيم، وهؤلاء أيضًا إذا أشكل عليهم شيء راجعوا سماحته في الأسئلة، فيوضحها لهم.

ومن الأشياء التي استفدتها من الشيخ رحمه الله في الحج: حرصه على تطبيق السنن وتركه للرخص، فدائمًا كان يحج متمتعًا، يذهب إلى الحرم ويطوف ويسعى، ثم ينتهي من عمرته، ثم في اليوم الثامن يحرم بالحج، وبعد ذلك يذهب إلى طواف الإفاضة وسعي الحج، ولا يؤخر هذا الطواف إلى طواف الوداع.

أذكر مرة أننا في ليلة الثاني عشر ذهبنا إلى رمي الجمار، فخرجنا من مخيم الحرس متجهين إلى الجمار في الساعة العاشرة مساء تقريبًا، ثم ذهبنا بعد ذلك إلى الحرم وخرجنا منه بعد أدائنا لطواف الإفاضة وسعي الحج في الساعة الثانية عشرة مساء، وركبنا إحدى السيارات التي يركبها عامة الناس، وفي الطريق توقف السير من زحمة السيارات وجلسنا قرابة نصف ساعة أو ساعة إلاّ ربعاً ننتظر انفتاح هذا الطريق، فقال: مشي الأقدام وخروجنا من السيارة أفضل من جلوسنا بدون فائدة، فنزلنا من السيارة، ومشينا مع الشيخ، وكان يعرف الأماكن والمناطق، ولم أعرف الطريق إلى المخيم بسبب الزحام الشديد، فتبعت سماحة الشيخ وهو يذهب يمينًا وشمالاً حتى وصلنا إلى المخيم في الساعة الرابعة صباحًا، وبقي على أذان الفجر ساعة وقليل، وكان عنده كلمة بعد صلاة الفجر، فعرضت عليه أن نؤخر الكلمة إلى صلاة الظهر، ونجعل الشيخ سعد بن ناصر الشثري يقدم درسه إلى الفجر، فقال: لا يحتاج الأمر إلى تقديم، وإنما يعيننا الله. وهذه كلمة كان يرددها دائمًا، وهي تدل على صدق توكله - رحمه الله -.

فاقترحت عليه أن لا يلقي كلمة، وأن يكتفي بالإجابة على الأسئلة، فرفض، وألقى الكلمة في قريب من الساعة، ثم قرأت عليه الأسئلة وكنت مجهدًا جدًا، وبعد خروجنا من المصلى ذهبنا إلى المخيم وخلدت للراحة، وارتاح قليلاً، ثم قام يكمل برنامجه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير