ولكنَّ هذه المُخالَفَةَ منّي له – رحمه الله - لا تجعلُ صَدْري ضَيِّقاً مِن الترحُّم عليه – كما فعله بعضُ الغلاة! - , حتَّى وصل بهم غُلُوُّهم إلى درجة حذف (خبر!) – نعم (خبر)!! - وفاتِهِ مِن منتدياتهم العنكبوتية على الشبكة المعلوماتية!!!
فأين الإنصافُ – والعدلُ – يا قوم؟!
إنَّ مخالفَتَنا للشيخ ابن جبرين لا تمنعُنا مِن الترحُّم عليه , والدعاءِ له , وذِكره بالخيرِ؛ كما قال – عليه الصلاة والسلام -: (لا تسبُّوا الأموات؛ فإنّهم قد أفْضَوا إلى ما قدّموا).
ولا يَمنعُنا موتُهُ – رحمه الله – مِن التنبيه على أخطائه , والتحذير من زلاّته-كأحوال سائر المنتسبين إلى العلم- بالرفق , والِّلين - دون تشغيب , ومِن غير تطحين -!
ولا أنسى – واللهِ – يومَ وفاة الشيخ عبد الفتاح أبي غُدَّة- وهو معروفٌ بانحرافه! ومُخالفته المنهجية الكبرى!! -: لماّ اتصلتُ بشيخنا الإمام الألباني – رحمه الله – أُخبرهُ خَبَره؛ فما كان من شيخنا – رحمه الله – إلاّ أن قال – مُتنهَّدا –: (يحتاج إلى رحمة اللهِ).
وهذا يُشْبِهُ – تماماً – كلامَ الإمام ابن القيَّم في " مدارج السالكين " (2/ 345) – حول شيخهِ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمهما الله – وطريقةِ تعامُلهِ في مثل هذه المضائقِ -؛ قال:
(وجئُتُه – يوماً – مَبُشَّراً له بموت أكبر أعدائهِ عداوةً , وأشدهم أذىً له!
فَنَهَرني , وتنكّر لي , واسترجع).
أما (إخواننا!) الغُلاة (!) الذين لا يعرفون – في جُلَّ أحكامِهم ومواقِفِهم - إلاّ (أسود) أو (أبيض)!! فالواجبُ أن يُراجِعوا أنفسَهم , ويُعيدوا حِسَاباتِهم؛ فمنهجُهم ذاك – والله – منهجٌ مُريب , وشأنٌ غريب؛ لا أقول: يخالف الأصولَ السلفيَةّ – فحسب -! بل يُناقِضُ الفطرةَ السليمة َ الإنسانيّة!!
وعليه؛ فإنّنا بهذه الوسطيّة الشرعية العادلة – فقط - نحافظُ على منهجنا السلفي العدل الأمين: أن لا ينجرفَ إلى الغُلُوِّ اليابِس! ولا ينحرفَ إلى التميُّع البائس!!
والعَجَبُ لا يكادُ يَنْقضي مِمَّن يُنكر على غيرهِ ما هو أدنى وأقلٌ (!) مِمَّا هو مُتَلبِّسٌ به!! فتراه يَنْبَكِمُ (!) عن (تبديع) الشيخ ابن جبرين , مع وصفهِ إيّاه – في الوقت نفسهِ - بأقذع العبارات!!
فكيف الجمعُ بين هذه المُتناقِضات؟!
أُكرِّر – أخيراً -:
إنَّ وفاةَ الشيخ ابن جبرين – رحمه الله – أحزَنَتْنا , وأوقعت الأسى في قلوبنا؛ لكنّها لن تَجْعَلَنا نسكُت عن أخطائهِ , أو نتهاون فيما انتقدناه عليه مِن مسائل منهَجيَّة , أو فتاوى علميّة – بعضُها كبيرٌ كبيرٌ -.
لكنَّ مقامَ الموت مَهيبٌ ..
وذِكرَه جليلٌ ...
وتذكُّره عظيمٌ ...
... فما عَتِبَ عليه بعضُ إخوانِنا (!) -من غير الغلاة!! - مِمّن استغربوا اهتمامَ (مُنتديات كُلِّ السلفيِّين) بوفاة الشيخ ابن جبرين , وإفرادَهِ المقالاتِ المتعدِّدةَ له: عَتْبٌ في غيرِ محلِّه؛ سبَبُه عَدَمُ إدراكهِم الحقِّ – سدّدهم اللهُ - لِحَجْم الغُلُوِّ والتناقض الذي وصَلَ إليه أولئك الإخوة (الغُلاة) - غفر الله لهم -!!
فليس الأمرُ في حقيقتهِ - إذن – ما ظنَّه بعضُ هؤلاء الإخوة – جزاهم الله خيراً على حرصهم , وغفر لهم تسرُّعَهم! – مِن أنّنا لم نكتب عن الشيخ ابن جبرين إلا نَكايةً (!!) بالغلاة! أو مُقاهرةً!! لهم!!
فاعلموا – أيُّها الإخوة – أنّنا لا نُناكِف بالباطل , ولا نستنكِفُ عن الحقِّ؛ لكنَّ الغُلُوَّ لا بُدَّ له مِن صدمةٍ عكسيةٍ تردُّه إلى الصواب , وتُخرجُ أهلَه مِن التلبُّس بالارتياب ..
ولقد رأيتُ هذا النهجَ – مراراً – مِن طريقةِ شيخنا الإمام الألباني – رحمه الله - في كسر حِدّة بعض الناس (!) – مِن سائليه , أو مُناقِشيه - لمّا يلحظُ منهم (غُلُوّاً في!) - أو (غُلُواً ضِدّ!) - بعض الشخصيات؛ فكان يُعامِلُ هذا بنقيضِ عمله , ويتعامَلُ مع ذاك بعكس صنيعهِ؛ لعلّه ... لعلّه!!
ولم يخرج مُنتدانا عن هذا الأسلوب , وعن هذه الطريقة – ولله الحمد -؛ بخلاف الذين ناقضوا أنفسَهم , وخالفوا منهَجهم , وغيّروا جلدتَهم!!
فهم (!) في الوقت الذي يُبَدِّعون فيه مَن يُزَكِّي (!) أهلَ البدع: لا يستطيعون تطبيقَ (!) هذا النهج على كُلِّ أحدٍ - انتقاءً وتشهِّياً! أو ظروفاً وأحوالاً -!!
¥