تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الرءوس الجُهَّال - نعوذ بالله من حالهم ومصيرهم - فهؤلاء أمثالُ مَن ذَكَر الله قصته في سورة الأعراف حيث قال: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176، 177].

فجديرٌ بالأُمَّة أن تلتفَّ حول علمائها، وأن توقِّرهم، وأن تعرف لهم قدرهم؛ فهم ولاة أمورهم، فعند تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قال الإمام ابن كثير رحمه الله: «وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} يعني: أهل الفقه والدين. وكذا قال مجاهد، وعطاء، والحسن البصري، وأبو العالية: {وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} يعني: العلماء. والظاهر -والله أعلم- أن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء» [6].

لِمَ لا، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، فَمَن كان بالله أعلمُ كان له أخشى وأتقى، ولم يَعْصِ اللهَ إلا من جهل قَدْره جلَّ في علاه، وقال: {يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، فليس بعد رفع الله لقدرهم رفعٌ، وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]؛ فنحن مأمورون شرعًا أن نَردَّ ما أشكل علينا إلى مَن حباهم الله بفهم دينه ومقاصد شريعته، والنظر والاستنباط من الأدلة المُعتبرة، ولذلك قال سبحانه وتعالى أيضًا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

وعلينا أن نسمع ونطيع لمن وَثِقنا بدينه، وعلمنا حُسن فهمه وصدق تديُّنه، لأن الإمام ابن سيرين - رحمه الله - قال: «إِنَّ هَذَا العِلمَ دِينٌ؛ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ» [7].

وكيف لا تدرك الأمة قيمة علمائها، وهم صمام أمانها، وهي تعلم أن - النبي صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ العِلمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالحِيتَانُ فِي جَوْفِ المَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ [8]، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا العِلمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» [9].

وعندما ذُكِرَ لِرَسُولِ الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَانِ؛ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ». ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ» [10]. والسنة مستفيضة بالحث على العلم وإكرام العلماء.

بل والتحذير الشديد من الجهل والتنفير من القعود عن التعلم وترك السؤال؛ فعن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَصَابَ رَجُلًا جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ! أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالَ» [11].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير