فهذا شاب يوقفه فيعانقه، وذاك طفل يضاحكه ويداعبه، وتلك امرأة تشتكي إليه، فسبحان من رزق الشيخ الصبر والحلم يقف معهم ويجب سؤلهم ويقضي شغلهم، لايمل ولا يسأم، ولا يعنف ولا يزجر، بل ابتسامة هادئة، وسعة بال، وتحمل مشاق، فرحمة الله عليه.
* في زحام الجمرات وبعد العشاء نعمل حزاما بشريا لحماية الشيخ من مشقة الزحام لأن جسمه نحيل، وجسده منهك فيأبى الشيخ إلا مساواة الناس فندخل معه في زحام الجمار فيسقط شماغ الشيخ من شدة الزحام وربما ضويق من غير قصد ويتقبل ذلك بصدر رحب لأنه يعلم أن الأجر على قدر المشقة كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها (أجرك على قدر نصبك)
الشيخ والباكستاني
وفي عودتنا من الجمرات يبصر الشيخ رجل من الباكستان وهو يحمل والدته العجوز على كتفيه فيقف الشيخ متأملا ومتأثرا بمشهد عظيم من مشاهد البر والإحسان فتدمعي عيني الشيخ لأنه تذكر بعض مشاهد العقوق من بعض أولادنا هداهم الله.
بين الشيخ الجبرين والشيخ الجزائري
بين هاذين العالمين (بكسر اللام) ألفة عجيبة، ومحبة كبيرة دليلها القرآن، ودستورها نور النبوة، سرها وقصتها في الحج ففي كل سنة لنا موعد مع هاذين العلمين الرائعين: في أسلوبهما، وطريقة تربيتهما، هما يسكنان في خيمة واحدة لايفصل بينهما سوى شراع من القماش فيتناوبان في الوعظ والفتوى دون كلل أو ملل بل في سعادة عالية وروعة بالغة، في تبليغ الدعوة وإيصال الرسالة.
الشيخ وحارس خزانات الماء
في آخر ليلة من ليالي الحج وكنا في ليلة وداع لفراق الشيخ دخل علينا رجل كبير في السن وعليه علامات الحزن والكآبة والملل فقال الشيخ مالك؟ قال ياشيخ فسد حجي فقال له الشيخ كيف؟ قال ياشيخ أديت بحمد الله جميع مناسك الحج في يسر وراحة وبحكم عملي في حراسة خزانات مياه الحجاج كنت أبيت خارج منى أيام التشريق فقال لي رجل حجك غير صحيح.
تكفى ياشيخ افتني فقال له الشيخ مادام أن عملك مرتبط بهذه المصلحة العظيمة فحجك صحيح وأنت مأجور (معنى كلام الشيخ وليس نصه) فخرج الرجل يهلل ويكبر فرحا مسرورا ومستبشرا ومغتبطا بفتوى هذا العالم.
الشيخ بعد صلاة الفجر
بعد صلاة الفجر نستقبل أسئلة الحجاج ومشكلاتهم ونعرضها على الشيخ الغريب في الأمر أن الشيخ لايمل ولا يتضجر من كثرة الأسئلة بل تجده يجيب وهو على هيئة واحدة، وبأسلوب واحد فيطول الوقت بالشيخ ونشفق على حاله ونقول للشيخ نريد أن نتوقف وأعرف أن الشيخ يتمني أن يجيب على أسئلة الجميع ويقف على حل مشكلاتهم.
الشيخ وتقبيل الرأس
أمر الشرع الحنيف بتوقير العلماء وإجلالهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط) رواه أبو داود
قال ابن عبد البر: أنشدني يوسف بن هارون بنفسه في قصيدة له:
وأجلّه في كل عين علمه
...
فيرى له الإجلال كل جليلِ
وكذلك العلماء كالخلفاء عند
...
الناس في التعظيم والتبجيل
فمن فرط محبة الناس للشيخ وإجلالهم له وتقديرهم للعلم الذي يحمله كان الواحد من الطلاب يحرص على شرف تقبيل رأس الشيخ الذي حوى العلم والمعرفة، وجمع الأدب والأخلاق، إلا أن الشيخ رحمه الله من فرط تواضعه يشدد على عدم تقبيل رأسه ويكتفي بالمصافحة والمعانقة فرحم الله شيخ التواضع وأستاذ العلم.
الشيخ وسلامة الصدر
في ظني الذي لايخيب أن الشيخ يملك مواصفات عالية جعلت منه شخصية محبوبة لعامة الخلق صغيرهم وكبيرهم، نساؤهم ورجالهم، في جميع أصقاع الأرض هذا الحب لم يكن وليد الصدفة فكنز الحب لم يأتي من سعة ماله، أو رفعة جاهه، أو شرف مقامه، بل نبع ذلك من إخلاص صادق، وقلب طاهر،وفؤاد نقي فلا يحمل في قلبه غيظا، ولا حنقا، ولا احتقارا، ولا بغضا، فرحمك الله أيها الإمام.
بيت الشيخ
بيت الشيخ الذي يسكنه ليس قصرا فارها ولا برجا عاجيا إنما بيت متواضع بعيد كل البعد عن التكلف والترف بيت يشع منه العلم وتنبع منه المعرفة
بيت الشيخ لم يخصص لفئة معينة بل خلية نحل يدخله الغني والفقير، والكبير والصغير، وجميع أطياف المجتمع فلا يخرج الداخل إلا وقد حاز نورا ومسكا: إما علما تعلمه، أو شفاعة محققه، أو تزكية موقعة، أو مساعدة مجزية، فالشيخ رحمه الله لايرد طالبا كريم النفس سمح الطبع رحمة الله عليه.
الشيخ والفتوى
لايخفى على كل ذي لب براعة الشيخ في الفتوى فالله سبحانه وتعالى أراد بعبده الجبرين خيرا ففقهه في دينه، ونوره بالعلم والحلم و (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) ولهذا تجد دروس الشيخ وفتاواه رصينة متينة، مقرونة بالدليل، معزوة للأصول، مفصلة، مؤصلة، موضحة، ولهذا إذا قيل أفتى الشيخ ابن جبرين في كذا وكذا تجد لهذه الفتوى قبولا في قلوب الخلق. فرحم الله ذلك العبد الصادق وأسكنه جنته.
ختاما ......... رحمك الله ياشيخنا، وأسكنك فردوسه الأعلى وجمعنا بك في أعالي الجنان في مقعد صدق عند مليك مقتدر
محمد بن عبدالله بن إبراهيم الشائع
أستاذ الشريعة في المعهد العلمي في محافظة شقراء
¥