وقال الشيخ ابن جبرين في خطابه ذاك: (نعرف عنه البعد عن التسرع والأغلاط وعن الخوض فيما لايعني).أقول أما تركه الكلام فيما لايعنيه فهذه من صفاته التي قلت عند الكثير من طلاب العلم .. فلم يكن يخوض في مالا يعنيه .. أوفي ذكر الدنيا وحطامها، فضلاً أن يتكلم في أقرانه بكلام يخرجه مخرج جرح وتعديل!
حتى يصدق فيه مقالة الإمام أبوالفرج ابن الجوزي في شيخيه الأنماطي والجواليقي حين قال: (لقيت مشايخ؛ أحوالهم مختلفةٌ، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم وكان أنفعهم لي في صحبةٍ العاملَ منهم بعلمه، وإن كان غيره أعلم منه، ولقيت جماعةً من أهل الحديث يحفظون ويعرفون؛ ولكنهم كانوا يتسامحون في غيبةٍ يخرجونها مخرج جرحٍ وتعديلٍ، ويأخذون على قراءة الحديث أجراً،ويُسرعون بالجواب لئلاَّ ينكسر الجاه، وإن وقع خطأ!
ولقيت عبدالوهَّاب الأنماطي؛ فكان على قانون السلف؛ لم يُسْمَع في مجلِسهِ غيبةٌ، ولا كان يطلبُ أجراً على إسماع الحديث، وكنتُ إذا قرأتُ عليه أحاديث الرقائق بكى، واتَّصل بكاؤه!
فكان - وأنا صغير السنِّ حينئذٍ – يعملُ بكاؤه في قلبي، ويبني قواعد،وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل
. ولقيت أبا منصور الجواليقي، فكان كثير الصمت، شديد التحرِّي فيما يقول، متقناً محقِّقاً، ورُبَّما سُئل المسألة الظاهرة، التي يبادر بجوابها بعض غلمانه فيتوقَّف فيها حتى يتيقَّن، وكان كثير الصوم والصمت. فانتفعت بهذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما؛ ففهمتُ من هذه الحالة: أنَّ الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول ... فاللهَ اللهَ في العمل بالعلم فإنه الأصل الأكبر، والمسكين كل المسكين: من ضاع عمره في علمٍ لم يعمل به؛ ففاته لذات الدنيا، وخيرات الآخرة؛ فقدم مفلساً مع قوَّة الحجَّة عليه)
*سعى الشيخ ابن جبرين في إعادة دروس شيخنا لما منع أيام سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله ... فتم له ذلك .. وإن مثل هذه المواقف لأعظم شاهد على حرص الشيخ ابن جبرين على نشر العلم والخير والدعوة إلى الله بنفسه وبغيره .. ومحبته لشيخنا ومعرفته لفضله وعلمه ..
* زيارة الشيخ ابن جبرين لشيخنا في منزله مرارًا ومن ذلك في إحدى الدورات العلمية المقامة في مسجد على ابن المديني بحي الروضة في الرياض حيث لم يشارك شيخنا في تلك الدورة، فما كان من الشيخ ابن جبرين بعد أن أنهى درسه بعد العصر إلا أن زاره في بيته .. فلما خرج من عنده قال لطلابه هناك من يحسد الشيخ عبدالله السعد على ماوهبه الله إياه من العلم والخلق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وكان يتفرس فيه أنه من طلاب العلم الذين سيكون لهم شأن.
*في سنة 1425هـ ومع نهاية شهر رمضان فرج الله عن شيخنا وخرج من محنة الابتلاء التي مر بها،
وبعد خروجه بإسبوع زاره الشيخ في بيت والده مصبرًا له وداعيًا .. ومبيناً له عظم ثواب الابتلاء في سبيل الله ..
* العلم رحماً بين أهله: فكما أن شيخنا كان يحضر دروس شيخه ابن جبرين ويستفيد منه ... لم يكن شيخه رحمه الله يأنف-على كبر سنه وعلمه- من الاستفادة منه!
فقد اتصل الشيخ ابن جبرين ذات مرة عليه يسأله عن حديث لم يقف عليه .. فكتب له شيخنا الحديث وأرسله إليه ..
* وجوه الاتفاق بين الشيخيين:
اتفق شيخنا مع الشيخ ابن جبرين في الاسم واسم الأب وكذلك وقع الاتفاق بينهما في أعظم من ذلك كله!
ألا وهو اتفاقهما على كراهية أهل الرفض،والتقرب إلى الله بهجر أهل البدع والتحذير منهم-وذلك من مآثر السلف الصالح- وإصدار الفتاوى المحذرة منهم والتي تبين عداوتهم وخطرهم على أهل السنة ..
في الوقت الذي كان فيه بعض الدعاة يتنصل من تلك الفتاوى ويتودد إلى أهل البدع باسم توحيد الصف واجتماع الكلمة!
فكانت مواقف الشيخ ابن جبرين من هذه الطائفة -التي ليس لها نقل صريح ولا عقل صحيح – قوية شجاعة بين فيها خطرهم وفساد عقيدتهم وكان من أخرها التحذير من مايسمى (بحزب الله) اللبناني!
وكذلك شيخنا في فتواه في منع بيع العقار للرافضة لما استطار شرهم وتفاقم خطرهم .. فشرقوا بتلك البيانات والفتاوى في بيان كيدهم وخبثهم ..
وكان الشيخ ابن جبرين ينشر فتوى شيخنا ويوزعها على من زاره في مكتبه، ومات وقد بقى شيء منها عنده ..
¥