تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان هذا الأخ يسمى رفعت وقد حكم عليه بخمسة أشهر وكان من جماعة التبليغ والدعوة ومن أقرب الناس إلى الشيخ إبراهيم عزت رحمه الله أمير الجماعة ولم يكن للكلية أسوار حتى نعلوها وذهبنا إلى السجن المركزي بفايد وخرج إلينا الشيخ رفعت وكان وسيماً جميلاً والنور يشع من وجهه وهو متعمم عمامة لطيفة فسلم علينا وقال له رفيقي: الأخ أحمد فريد من الدفعة الجديدة وهو يرفض حلق اللحية ويطلب منك النصيحة. فنصحني حفظه الله عدة نصائح أغلى من الدنيا وما فيها، فقال لي: إن أمرك أحد المسلمين بأمر فإن كان معصية فلا تطيعه فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإذا أمرك من ليس بمسلم فلا تطيعه على كل حال خالفوا المشركين.

والنصيحة الثانية: قال: لا تفتر عن ذكر الله U فإن الله U لما أرسل هارون وموسى إلى فرعون قال (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) [طه: 42]، فالذكر يقوي القلب على مواجهة الشدائد والدخول على الظالمين.

والنصيحة الثالثة: قال لي إذا كلمك فلا تنظر إليه لأن النظر إلى وجه الفسقة يقسي القلب ولا تناقشه في كلامه بل دعه يقل ما عنده ثم بلغه دعوتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض عليه أبو الوليد بمكة أن يجمعوا له من المال حتى يكون أكثرهم مالاً وأن يملكوه عليهم لم يناقشه ولكنه قال له: أفرغت يا أبا الوليد؟ فاسمع مني ثم تلا عليه القرآن.

خرجت من هذه المقابلة وأنا أشد عزماً وتصميماً على المواصلة والثبات على الحق وعدت إلى كلية الاحتياط فرأيتهم قد حلقوا لهم رؤوسهم وصرفوا لهم الملابس العسكرية فكانوا يلبسونها قبل أن تفصل عليهم وكانوا في طابور الميز (يعني المطعم) لطعام الغذاء.

وأتى الشاويش الذي كلمني في الصباح وقد تعب في البحث عني وقال: أين كنت؟ وعلمت أنه ليس على ملتنا، فقلت: أنت بالذات لا تكلمني.

فأخبر أحد الضباط بخبري فقال له: يقف في الطابور. ووقفت في الطابور وأنا أرتدي القميص وقد صنع لي الشيخ رفعت من الغطرة عمامة لطيفة ثم حدثت مشادة كلامية مع أحد الضباط ذهبت على إثرها إلى سجن الكلية وكان في الواقع أحسن مكان بالكلية لأنه بجوار المسجد وهو فارغ تماماً وأمكن فيه من قراءة القرآن وكتب العلم وصار سجن الكلية هو خلوتي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن سجني خلوة ..

وكنت أصلي بالناس إماماً وأعطي دروس بالمسجد يحضرها من فيه خير من ضباط الكلية وأخطب الجمعة أحياناً فمكثت في سجن الكلية حتى تشكلت محكمة عسكرية ممن يحضر دروس في المسجد خوفاً علي من تشديد العقوبة وحكموا علي بشهر واحد والمحزن أنني سجنت بسجن الوحدة وليس سجن الطلبة المجاور للمسجد وابتليت بمخالطة المسجونين حيث شرب السجائر وسماع الغناء فلم يكن سجني في هذه المرة خلوة كما قال شيخ الإسلام بل ما كنت أجد مكاناً أقوم فيه بالليل ..

وبدأوا معي مساومات حتى أوافق على حلق اللحية وأتاني طبيب الكلية وعرض علي إذا وافقت على مبادرته أن يكون سكني بالعيادة وأن أكشف على إخواني الطلاب وبذلك لا أقف في الطابور وأحيي العلم والضباط فوافقت على ذلك وتم إلغاء السجن بعد أسبوع أو أكثر وانتقلت إلى العيادة وكنت أعامل قريباً من معاملة الضباط الأطباء وأسكن معهم.

ولكن نفسي لم تطاوعني إلى حلق اللحية مرة ثانية فأعفيت لحيتي وقدر الله U أن يتغير مدير الكلية ويعين لواء جديد للكلية فأهمهم كيف يعرضون عليه مشكلتي وأنا قد تركت اللحية أكثر من ثلاثة أسابيع. وقبل أن أدخل عليه دخلت على من دونه من الرتب وكانوا يرغبوني تارة ويهددوني تارة أخرى ويقولون بحمية وعصبية القوانين العسكرية والنظم العسكرية فأقول لهم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) [البقرة: 165]

فيقولون نحن لسنا كفاراً، فأقول أنا لا أكفركم ولكنها الغيرة على الشرع كلما وجدت غيرتهم على القوانين العسكرية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير