تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد كان الفقيدُ – رحمه الله – مُوَفَّقًا من ربّه، كثيرَ الخير، كبيرَ العطاء، فقد دَرَّسَ وأفاد أكثر من أربعين عامًا، فاستفاد منه ألافٌ من طلاب علوم الدين، وخَطَبَ ووَعَظَ نحو 45 عامًا، فاتّعظ وصلح وتاب من لايُحْصَوْن من الخلق بمواعظه وخطاباته الدينيّة في الحفلات الشعبيّة العامّة والخاصّة، والحفلات الدينيّة والعلميّة، والمناسبات الثقافيّة والاجتماعيّة؛ فقد وجدتُه كان يخرج في الأغلب لحضور هذهالمناسبات والحفلات فيما بعد صلاة العصر، ليحضر المدرسةَ التي كان يُدَرِّس فيها في الهزيع الأخير من الليل؛ ليأخذ قليلاً من الراحة والاستجمام، فيستعدّ لصلاة الصبح؛ ثم يُفْطِر ويحضر الفصولَ الدراسيَّة على الميعاد، فيقوم بتدريس الكتب المنوط به تدريسُها.

وكانت خطاباتُه ومواعظُه مُتَلَقَّاة بالقبول؛ لأنّه كان يُشَنِّف آذان المستمعين بعذب القول، وحسن الإلقاء، وجميل الأداء، ورائق المعنى، ورائع المبنى. وكان يمزج محاضراته الدراسيّة وخطاباته الشعبية بالجدّ والهزل بقدر مُتَّزن. وكان ضحوك السنّ، طلق الوجه، ليّن الجانب، كريم الأخلاق، حبيب السيرة، دائم الابتسامة، قويّ العارضة، حاضر البديهة، يرتجل الخطاب طويلاً، فلا يملّه الحضورُ لعذوبة حديثه وحلاوة جرسه.

وكان مُوَاظِبًا على صلاة التهجّد منذ شبابه، وكانت عيناه تشفّان عن السهر ليلاً، والجدّ والتعب نهارًا. كان يعمر أوقاتَه بالذكر والتلاوة، ومذاكرة قضايا العلم مع الطلاب وزملائه المدرسين الذين كانوا يستأنسون بحديثه، وخفّة روحه، وممارسته المزاحَ لدى الحاجة.

كان كبيرَ الهامة، كثَّ أشعار الحاجبين، أبيض مشربًا بالحمرة، ربعةً من الرجال، مائلاً إلى القصر، يزين رأسَه قلنسوةٌ قائمةٌ على رأسه كالإكليل. وكان يهتمّ بها كثيرًا، ويلازم وقارَ العلماء وملابس الصالحين من القميص الفضفاض الطويل إلى نصف ساقيه على الأقل. وربّما يرتدي الجبة الخاصّة التي يرتديها العلماء في الديار الهنديّة المعروفة بـ"الشرواني" فكان يطيلها أكثر من قميصه، مما كان يُضْفِي عليه هيبةً يمتاز بها رجالُ الدين الذين يتمتعون ببسطة في الجسم وإن فاتتْهم أحيانًا بسطةٌ في العلم.

وكان – رحمه الله – قد أصيب في كهولته بسمنة زائدة أدّت إلى إصابته بداء السكري وعوارضه الكثيرة من النوبة القلبيّة، وتجلّط الدم، وتباطؤ دوران الدم في العروق مما أصابه بالفالج، وأقعده أخيرًا عن المشي والتحرّك؛ فصار طريحَ الفراش وحِلْسَ البيت، حتى استأثرت به رحمة الله.

لم يكن الفقيد عالمًا مُتَعَمِّقًا، ينقطع إلى الدراسة والكتابة والتأليف، فيكون له في هذا المجال شأن يُذْكَر، وأثر يُخَلَّد، ومزيةٌ تُسَجَّل؛ ولكنه – وكان ذلك من قدر الله، والمرأ لايتجاوز الأقدارَ وقضاءَ الله – استثمر مواهبَه في مجال تعليميّ تربويّ من ناحية أخرى؛ فأكْثَرَ من إنشاء الكتاتيب في مناطق وطنه وأسَّس مدرسةً في قريته "بالاساتهـ" للتعليم الديني، وسَهِرَ على تطويرها، فصارت مدرسة كبيرة جديرة بالتسجيل والذكر في ولاية "بيهار" خصوصًا، ثم وَسَّع نطاقَها فأنشأ مدرسة عصرية للتعليم العصريّ تابعة لها، وبنى لهما فصولاً جميلة، وأروقة سكنية مريحة، كما بني في محيط المدرسة الواسع مسجدًا كبيرًا، ومكتبة زاخرة بالكتب التي يحتاج إليها الطلابُ، وشيّد مضيفًا أنيقًا جديرًا بإقامة الضيوف المتوافدين من خارج البلاد. وبما أنّه أمضى مُعْظَمَ عمره في التدريس في مدارس "غجرات" السبَّاق أهلُها المسلمون إلى فعل الخير وإلى المساهمة في تحقيق المشاريع الإسلاميّة والأعمال الدينيّة؛ فتَعَاوَنَ معه منهم من توطّدت بينه وبينهم صلاتُ ودّ بمواعظه الدينية، وجولاته الدعويّة، وزياراته التعارفيّة المتّصلة؛ فسهل عليه أن يُحَقِّق كثيرًا مما كان يصبو إليه من إنشاء المباني وشراء العقارات، وتحصيل القطع الأرضية في وطنه وفي غيره من القرى والمدن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير