تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما مات حتى أَمَّن – رحمه الله – موارد مدرسته الماليّة، ووسائل اتّصال سير الأعمال التي كان قد بدأها في حياته. وقد ربّى أنجاله ولاسيّما نجلَه الأكبر الأستاذ حفظ الرحمن تربيةً خاصَّةً أَهَّلَتْه لتحمّل أعباء المدرسة وجميع المشاريع من بعده، فانطلق لسانُه بالخطاب، وتمّ التعارفُ بينه وبين مُحِبِّي الفقيد المساهمين في التمويل، وتَخَرَّجَ مُؤهَّلاً لكل ما يحتاج إليه اليوم أحدٌ لإدارة مُؤَسَّسَة تعليميّة أو خيريّة، وعلى رأسه أهليّةُ توفير الدعم الماليّ وجمع الوسائل الماديّة.

* * *

مازلتُ طالبًا عندما كان اشتدّ عودُه في شأن القيام بالتدريس والوعظ؛ ولكنه كان عندئذ رجلاً صُلْبَ العود، لم يتطرق إليه شيء من السمنة والبدانة، وإنما كان نحيل القدّ رشيق الجسم، وكان يستخدم للتنقل بين القرى حتى النائية منها الدراجةَ العاديّة التي كنا نستخدمها نحن الغلمان. وكان حريصًا على إلقاء الخطابات وحضور الحفلات الدينية أيّامئذ أيضًا. وقد اصطجني – رحمه الله – إلى بعض الحفلات والمناسبات التي كان يُدْعَى? إليها. وكنتُ عندئذ أتلو القرآن الكريم بالتجويد وصحّة الحروف، لأني كنتُ طالبًا بمدرسة دارالعلوم/ مئو بمدينة "مئوناث بهنجن" وكان الطلاب فيها مُكَلَّفِين بقراءة التجويد وتصحيح قراءة القرآن الكريم بمراعاة القواعد كما كنتُ راغبًا في إلقاء خطابات خفيفة حول المواضيع الدينية. فكنتُ أستهلّ الحفلات بتلاوة آي من القرآن الكريم وإنشاد قصيدة من قصائد المديح النبويّ باللغة الأرديّة. وكنتُ معروفًا بذلك لحدّ ما؛ من ثم كان يرغب الشيخ ولاسيّما لدى مناسبة الإجازات الرمضانيّة الكبرى أن أكون معه لحدّ الإمكان؛ فوجدتُه رجلاً كريمًا حليمًا عطوفًا على الصغير محترمًا للكبير، وكان جهوريَّ الصوت في الخطابات، وكان يَصْدُرُ في مواعظه وخطاباته عن الثقة بالنفس، والدفاع عن العقيدة الصحيحة، ومحاربة البدع والأوهام، التي كانت تموج – ولا تزال لحدّ ما وإن خفّت غلواؤها الآن من ذي قبل – في منطقتنا الواسعة، ولاسيّما في القريتين الملاصقتين لقرية الشيخ: قرية "بوكهريرا" ( Pokhraira) وقرية "باتهـ" ( Bath) .

وبما أنّه كان لايتعمّق ولايمارس التقعير ولايعتمد الأسلوبَ الصعبَ الرفيعَ في الخطاب؛ بل كان يختار أسلوبًا سهلاً مساغًا لدى رجال الشارع والجماهير، فكان مُحَبَّبًا لدى مستمعيه؛ من ثم عندما اشتهر أمرُه بعد ما عَمِلَ مدرسًا في مدارس "غجرات" فكثر مُحِبُّوه، وصار خطيبًا و واعظاً شعبيًّا يفوق كثيرًا من خطباء وواعظي "غجرات" أيضًا، على حين إن هؤلاء كانوا من الناطقين باللغة الغجراتية فكانوا أقدرَ على إقناعهم بما يقولون؛ ولكنّ الشيخ بسهولة لغته الأردية وعدم ميله للتعمق واجتنابه استخدامَ المصطلحات العلميّة كان أحبَّ إليهم من كثير من علماء "غجرات" أيضًا.

وكان الشيخ يحبّني كثيرًا فما إن كان يحضر بيتَه لدى مناسبة الإجازات الرمضانيّة إلاّ ويبحث عني ويستدعيني إلى بيته ويصاحبني إلى الحفلات التي كان يقبل الدعوةَ لإلقاء الخطاب فيها. وكانت له بعضُ قرابات في قريتي، فكلما كان يحضر القريةَ لزيارة أقاربه كان يطلبني أولاً، ويصطحبني حتي يغادر القرية.

وقد نَظَّمْتُ مع أترابي عددًا من الحفلات الدينية في قريتي، وكنّا نجمع لذلك بعضَ التبرّعات من أهل قريتي، وكنا ندعو الشيخ لإلقاء الخطاب فيها، وكنتُ أبدؤها أنا كالعادة بتلاوة الآيات، وإنشاد مديح نبويّ، وإلقاء كلمات أُقَدِّم من خلالها الشيخَ إلى الحضور مُعَرِّفًا إيَّاه إليهم. وكانت حفلاتٍ ناجحةً نفعت الشعبَ المسلمَ وأفادتهم في دينهم والرجوع بهم إلى المسجد، وصَحَّحَتْ صلةَ كثير منهم بالله، أو بَذَرَتْ في قلوبهم بذرةً دينيةً نبتت فيما بعد فصارت شجرةً، أثمرت وأينعت؛ حيث ثارت في قلوب بعض منهم عاطفةٌ دينيةٌ بعثتهم على أن يُعَلِّموا أولادهم وأحفادهم تعليميًّا دينيًّا ويُخَرِّجُوهم علماءَ. وكانوا من قبل يستنكفون من التعليم الديني ويحتقرونه ويُعَظِّمون التعليمَ الإنجليزيَّ العصريَّ الذي كانوا يرونه مصدرًا للرزق ووسيلة للعيش الكريم في هذه الدنيا الفانية التي كانوا يعتقدونها هي كل آمالهم ومحطّ رحالهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير