تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعدما أنهيتُ تعليمي في دارالعلوم/ ديوبند التحقتُ بالجامعة الأمينيّة الإسلاميّة بدهلي للاستفادة المُبَاشِرَة من العالم الفقيه الصالح الكاتب الإسلامي الشيخ السيّد محمد ميان الدهلوي – رحمه الله – (1321 - 1395هـ = 1903 - 1975م) وكان الشيخ عبد الحنان عندئذ يقوم بالتدريس في بعض مدارس "غجرات" فكان كلّما يتوجّه إلى "غجرات" أويعود منها لوطنه، يُعَرِّج عليَّ في قطاع "بوابة كشميري" حيث الجامعة المذكورة، ويمكث لديَّ حسب ما تسمح له ظروفُ السفر وترتيباتُه، وكنتُ أُحْسِن استضافتَه حسب ما تسمح له ظروفي الحياتيّة التعليميّة، وكان يُسَرّ بما يراه من لباقتي في تلقّيه واستقباله وإنزاله منزلاً كريمًا رغم حداثة السن وقلّة الخبرة بالحياة والناس، وكان يُبْدِي إعجابَه بي في كل لقاءاته، ويقول: إنّ نفسي تقول: ستكون إن شاء الله يومًا من أبرز المُتَخَرِّجِين في منطقتنا بعد جيلي الذي تَخَرَّجَ في دارالعلوم/ ديوبند، وسيكون لك – بإذن الله – شأن – كما يشهد بذلك قلبي – لايدانيك فيه أحدٌ من أقرانك وأبناء جيلك.

في 10/ ديسمبر1987م (الخميس: 17/ ربيع الثاني 1408هـ) زرتُ أوّلَ مرة منطقةَ "غجرات" على دعوة من "دارالعلوم ماتلي والا" الكائنة بمدينة "بروص" القديمة لحضور حفلة أدبيّة أقامتها جمعيةُ طلاّبها بعنوان "الإسلام ونظامه الاجتماعي"، فدعوني لرئاستها. وكان من وراء توجيه هذه الدعوة الأخ الفاضل الشيخ رشيد أحمد (بن الشيخ موسى السلوديّ البروصيّ) أستاذ حاليًّا بالجامعة الإسلامية تعليم الدين ببلدة "دابهيل" مديرية "نوساري" مديرية "سورت" سابقًا، الذي كان عندئذ شابًّا، موفورَ النشاط، كثيرَ التحرك، يعمل على تطوير المسيرة التعليمية في "دارالعلوم ماتلي والا" لأنّه كان من أساتذتها النشيطين، وكان عندئذ الشيخ عبد الحنان أستاذَ الحديث فيها؛ فأتيح لي من خلال هذه الزيارة أن أزور الشيخ بعد مدة طويلة من الزمان، وأعرفه عن كثب وخبرة، وأستفيد من خلقه وتجاربه، وأسبر أغوارها بعدما حصلت لي تجربةٌ بالحياة والناس. ومكثتُ بتلك الدار نحوَ أسبوع كامل، وانتظم لي اللقاءُ معه على كلّ من موائد الطعام، وفي الصلاة مع الجماعة، والتنزه بعد صلاة الفجر، والتجالس في فترات الفرص بعد وقبل انتهاء مواعيد الدراسة، ولاسيما بعد صلاة العصر، وفيما بعد صلاة العشاء. فتركت لقاءاتُه هذه ومعرفتي به مُجَدَّدًا – وصرتُ شابًّا مكتملاً بعد ما كنت غلامًا أيام التحصيل – أثرًا أجمل مما كنت أحمله تجاهَه منذ صغري. ثمّ تكررتْ زيارتي "لدارالعلوم ماتلي والا" وغيرها من مدارس "غجرات"، وتوطّدت صلتي بالشيخ أكثر من ذي قبل، وفي كل زيارة تقريبًا لدى المقدم والعودة كان يستقبلني ويُوَدِّعني مع الأساتذة الآخرين على محطة "بروص".

وكان من عادته رحمه الله أنه كان يحضر مائدةَ الطعام معي في "دارالعلوم ماتلي والا" لدى عميدها عندئذ الشيخ محمد يعقوب الولنوي – رحمه الله – (المتوفى 11/رجب 1424هـ = 8/أكتوبر 2003م) وكان كلما يلذّ أكلةً من الأكلات يُشِيد بها وبمن سَاهَمَ في إعدادها من الرجال والنساء، وكأنه يشيد ببيت عذب أو بقطعة أدبيّة يتيمة، ويرفع صوتَه بالدعاء لكل هؤلاء، ويكرر كلمة "سبحان الله" فكان لايسعهم إلاّ أن يبعثوا قصعة أخرى أو طبقًا آخر. وكان ذلك الأسلوب الإشادي الدعائي على المائدة جديدًا عليّ، فاستغربتُه جدًّا في إعجاب، فقال لي الإخوان الأساتذة في الدار: إنّ ذلك هو ديدن الشيخ على كل مائدة تضمّ أطعمة لذيذة وأكلات شهيّة، وقد عَلِمَ بذلك الغجراتيّون رجالاً ونساءً فهم يُبَادِرُون إلى توجيه قصعة بعد أخرى وطبق بعد آخر رغبةً في أدعيته وإدخالاً للسرور على قلبه.

في أبريل 1989م (رمضان 1409هـ) بدأتُ إعادةَ بناء مسجد قريتي "هربور بيشي" بمديرية "مظفربور" بولاية "بيهار" – الذي كان قد تَدَاعَى بنيانُه والذي سميتُه فيما بعد بجامع أبي بكر الصديق رضي الله عنه – فدعوتُ الشيخَ أن يضع أول لبنة في البناء، فلبّى الدعوةَ في سرور، وحَضَرَ قريتي إثر صلاة الفجر من قريته "بالاساتهـ" التي لاتبعد عن قريتي إلاّ بمسافة نحو 6 - 7 كلو مترات. ووَضَعَ اللبنةَ الأولى، في جمع حاشد، ودَعَا بالبركة وانتهاء الأعمال في مدة زمنيّة قياسيّة، وكان يومًا مشهودًا في قريتي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير