تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عام 1993م)، فما وجدت مكانا في الصف عن يسار المسجد، وحاولت أن يفسح لي، ولكن فشلت، فاضطررت إلى التوجه نحو يمين المسجد، فصوبت النظر على المصلين في تلك الجهة، لأنظر هل فيهم الدكتور مقتدى حسن الأزهري أم لا؟ فلما تأكدت من عدم وجوده فيهم، دخلت الصف، وبدأت أصلي، لكن لاهيا عن الصلاة بالطاقية وبالحركات التي تعودت عليها وأنا لا أشعر بها، إذ جاء شيخنا وقام خلفي مباشرة، ولاحظ جميع التصرفات التي انشغلت بها في أثناء الصلاة، فلما سلمت، نظرت خلفي، إذا بالدكتور الأزهري يقضي ما فاته من الصلاة، فقلت في نفسي: لا نجاة لي اليوم، وبالفعل لما سلّم، سألني عدة أسئلة، من أين أتيت، ولم أتيت؟، وفي أي صف تدرس؟ هل أنت ممن يحب اللهو واللعب أو ممن يحب العلم والدراسة؟ أسئلة متتالية جعلتني في موقف حرج جداً، ولم يكتف بتلك فحسب، وإنما استدعاني في اليوم التالي بعد العصر، وكان قد دعا الشيخ يونس أيضاً، ليقرر مصيري، فسألني عدة أسئلة محرجة، ولما تبين له من خلال إجاباتي أني من الطلاب المجدين في طلب العلم ولست من اللاهين، عفا عني جريرتي، ووافق على مواصلة الدارسة بالجامعة، بشرط أن لا أعود لمثل تلك التصرفات في الصلاة. وبذلك ذهبت عني – ولله الحمد - تلك العادة السيئة، ولم أعد لمثلها.

وهكذا كانت تربيته لأبنائه الطلاب، تتجلى فيها معاني الأبوة، والحرص على الإصلاح، وتعضدها هموم المربي تجاه من تحت يده، وآثار هذه التربية لم تقتصر على الطلاب فقط، وإنما تجاوزتهم إلى زملائه الأساتذة أيضاً، فكانوا جميعا لا يجدون أنفسهم إلا مدفوعين إلى الالتزام بالوقار والسكنية في المجالس وفي الصلوات، وترك الفضوليات في القول والعمل.

وكان – رحمه الله تعالى – يحب الإتقان والدقة في العمل، ويكره الهشاشة والضحالة فيه، فالمقالات التي كان يكتبها تباعاً، يدفعها إلى صاحب المطبعة أو من يقوم بالطباعة على الكمبيوتر متقنة دقيقة في جميع جوانبها، حتى الالتزام بعلامات الترقيم التي يفرط فيها كثير من المؤلفين. وعلى هذا المنهج كان يؤسس أبناءه الطلاب في الفصول الدراسية وفي الاجتماعات العامة، وكان يرحب بعمل علمي قام به أحد من الطلاب متقنا دقيقا، وإلا يحيله على من يصلحه من زملائه الأساتذة.

وهكذا كانت حياته – رحمه الله تعالى – مليئة من جميع أطرافها وأجزائها بالجد والحزم فحسب، ولم يجد الهزل واللهو فيها منفذا، يتخذان منه طريقهما إليها، فما عرفت سوى الجد والحزم، الجد في مكتب العمل، والجد في المسجد، والجد في الفصول الدراسية، والجد في الطريق، والجد في المجالس، والجد – أظن- في البيت. فعاش – رحمه الله تعالى – حياة ذات همم وغايات نبيلة، فيها عبر ودروس لطلاب العلم والأساتذة المربين. اللهم تقبل حسناته، وتجاوز عن سيئاته، وأدخله فسيح جناتك، واجعلنا له خير خلف. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليما كثيراً.

ـ[محمد بن القاسم اليماني]ــــــــ[18 - 09 - 10, 05:11 م]ـ

رحمه الله

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير