[الشيخ الطيب العقبي ودعوته الإصلاحية]
ـ[أبو عبد الله يربح]ــــــــ[06 - 11 - 09, 09:24 ص]ـ
[الشيخ الطيب العقبي ودعوته الإصلاحية]
بقلم: محمد حاج عيسى
إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فإن الشيخ العقبي علم من أعلام الجزائر وواحد من أكبر علمائها وأشهر دعاتها، ورمز من رموز الدعوة السلفية فيها، وذلك بشهادة أنصاره ومحبيه وباعتراف أعدائه ومخالفيه، ومع كونه كذلك فإننا وجدناه قد أُخمد ذكره ولم يجد من يهتم بآثاره فيجمعها وبأفكاره فيجليها وينشرها، فما سأقوم به في هذه الأسطر ما هو إلا محاولةُ جمعٍ لما تفرق من أخباره، وتذكيرٌ ببعض فضله، وإشارةٌ إلى أهم أصول دعوته.
المطلب الأول: النشأة وبداية النشاط
أولا: مولد العقبي ونشأته
هو الطيب بن محمد بن إبراهيم، من عائلة محمد ابن عبد الله التي تنتسب إلى قبيلة «أولاد عبد الرحمن» الأوراسية، ولد في شهر شوال سنة 1307هـ الموافق لـ1890م في ضواحي بلدة «سيدي عقبة» التي ينسب إليها. وهاجرت أسرته كلها إلى المدينة النبوية في سنة 1895م، أثناء حملات الهجرة التي سببها محاولة فرض التجنيد الإجباري على الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي، وفي المدينة النبوية حفظ القرآن الكريم ودرس العلوم الشرعية، ورغم أن والده توفي وهو في سن الثالثة عشر فإنه لم ينقطع عن الطلب واستمر فيه.
واشتغل بالتدريس هناك ونشر في الصحف مقالات أكسبته صداقة بعض المصلحين كشكيب أرسلان ومحب الدين الخطيب. وعند قيام ثورة الشريف حسين نفاه العثمانيون إلى شبه الجزيرة التركية، بحجة انتمائه إلى القوميين العرب، وقيل لأنه رفض الانخراط في صفوف العثمانيين، وعند انتهاء الحرب العالمية الأولى عاد إلى مكة حيث أكرمه الأمير الحسين وأسند إليه رئاسة تحرير جريدة «القبلة» وكذا إدارة «المطبعة الأميرية» في مكة خلفا للشيخ محب الدين الخطيب.
وفي مارس 1920م رجع العقبي إلى الجزائر، وذلك لأسباب منها عدم الاستقرار الذي خيم على الحجاز في تلك الأيام نتيجة الصراع السعودي الهاشمي، ومنها الاعتداء الذي وقع على أملاك عائلته في مسقط رأسه.
ثانيا: بداية نشاطه الدعوي
ولما رجع إلى الجزائر وانتظم أمر تلك الأملاك لم يرجع إلى الحجاز، بل أقام ببسكرة وانتصب للدعوة إلى الله تعالى، فشرع في إلقاء الدروس العلمية والوعظية لطلبة العلم، ولكل العامة وذلك في مسجد «بكار» وهو المسجد الوحيد الذي بقي محافظا على مكانته دون أن تدخله الطرقية التيجانية، فمما كان يدرسه للطلبة كتاب الجوهر المكنون وكتاب القطر في النحو، وأما درس العامة فكان موضوعه التفسير، وقد اختار له الشيخ تفسير المنار، هذا إضافة إلى مجالسه الأدبية في «جنينة البايليك» أين كان يجري الحوار الأدبي يوميا في شتى أنواعه وألوانه ويحضره أدباء ومثقفون أمثال الأمين العمودي ومحمد العيد آل خليفة وغيرهما.
وما إن استقر في مدينة بسكرة وانتشر نشاطه سارعت السلطة الفرنسية إلى اعتقاله لتخوُّفها منه، فلبث في السجن قرابة شهر ثم أفرج عنه وخلي سبيله، وعاد لنشاطه بل وسعه واتخذ من مساجد المنطقة منبرا لبث دعوة التوحيد والأخلاق الفاضلة، فأعلن بذلك حربا عوانا على الطرقيين الخرافيين والجامدين، والتف حوله جماعة من الأدباء والمصلحين لبوا نداءه وشاركوه في دعوته. وكان أيضا ينشر مقالات وصفت بالنارية في جريدة المنتقد ثم الشهاب، مقالاتٍ كانت تهدم صروح ضلالات الطرقية صرحا صرحا وتكشف عن انحرافها عن الصراط المستقيم ومخالفتها لجوهر الدين، مما جعل مشائخ الطرق يفزع بعضهم إلى بعض ويُهرعون إلى الشيخ ابن باديس ليوقف هذا السيل الجارف عليهم من المقالات، ثم أسس بالاشتراك مع إخوانه ببسكرة جريدة «صدى الصحراء» في ديسمبر 1925م، ثم انفرد بتأسيس جريدة «الإصلاح» وذلك في 8سبتمبر 1927م، وقد صدر من هذه الأخيرة 14عددا ثم أوقفتها السلطة الفرنسية وذلك في سنة 1928م.
ثالثا: التحاق الشيخ بنادي الترقي بالعاصمة
¥