ومع هذا الإقبال الشديد على الرباط وشيخ الرباط، إلا أنه لم يسلم من معارضين ومناوئين، وحساد ومنافسين، كما هي سنة الله (ولن تجد لسنة الله تبديلا) (ولن تجد لسنة الله تحويلا). إلا أن نصالهم تكسرت، ومساعيهم خابت، وأظهر الله الشيخ عليهم، وانتشرت دعوته في الآفاق، وأصبحت مدينة غيل باوزير (مدينة العلم)، إذ ليس في ساحل حضرموت وقتئذٍ معهد علمي سوى الرباط.
ويظهر أن العلامة ابن سلم كانت لا تأخذه في الله لومة لائم، فقد ذكر الملاحي في "مذكرته الغيلية" عنه: "أنه كان لا يصلي الجمعة في المسجد الجامع، بل يخرج من الغيل يوم الجمعة إلى بلدة أخرى فيها جمعة (سماها بعضهم: النقعة)، وذلك لعدم أهلية خطيب الجامع، فإنه كان يقرأ من خطب ابن نباتة، بما فيها من دعاء لسلطان عصره ومصره وجيوشه!!! ".
ومما يجدر التنويه به هنا، أن هذا الرباط هو الوحيد الذي لا يدرس فيه التصوف ولا كتبه.
"وكان لوجوده الأثر الطيب في قَمْع البِدَع، وإماتة الخرافات والجهالات. ذكر ذلك غيرُ واحدٍ قال الشَّيخ محمد سعيد بن محفوظ بلفقيه في مرثيته:
وهو الذي قد طهَّر البلدان مِنْ ... أهلِ البِدَعْ فكأنَّها لم تُوجَدِ
وقال آخر:
ماحي البِدَعْ مِنْ أرضِنا وَ لَطالما ... كادت دَوَيْها تستمدُ النجدا
الزاهدُ الورعُ الجليلُ و مَنْ له من صالح الأعمالِ أحْسَنُ مَقْصِدا
وكذلك (الملاحي) ذَكَرَ أنَّه كان يُنْكر البِدَع الموجودة في المساجد والعوائد كما في (المذكرة) ص 148.
... فبدأوا يحيكون المكائد، ويوصلون الأذية كما هي عادتهم والشَّيخ يُقَابل السَّفاهة بالحِلْم، والأذيَّة بالعفو والصَّفح، وحاله يقول:
حاربيني يا نائبات اللَّيالي ... عن يميني وتارةً عن شِمالي
واجهدي في عداوتي وعنائي ... أنْتِ و اللهِ لم تلمِّي ببالي
إن لي همة أشدَّ من الصخر ... وأقوى من راسيات الجبال
وقد أرَّخ هذه الأمور غيرُ واحد:
1 - منهم: الأديب الأريب عامر بن سالم بوبح قال في مديحه لابنِ سِلْم.
الحلم فيه سجيَّةْ ... حاشاه أنْ يُصْغيْ لناقلْ
يعفو إذا أوذي و ليـ ... ـس بسمِع قول الأراذلْ
كم حاسدٍ متحاملْ ... غَيْظا له عَضَّ الأناملْ
يَلْقاه بسَّاماً كأن ... وليه ذاك المقابلْ
2 - وقال سالم بن حسين البيض:
وفي (أدخلوا في السِّلْمِ) تكفي إشارة ... فأتْلُ أخا العِرْفان هذي لِتَسْلَما
سجاياه حِلْمٌ إن أَبَانَ عدوَّه ... له كلَّ سوءٍ ثم يَعْفو تكرُّما
3 - وقال ... السَّيد محسن أبونمي:
هذا الرباط أسسا ... على تقى ما دنسا
فارحم إلهي الرئيسا ... مؤسس الركن المتين
قدوتنا الشيخ الإمام ... علامة العصر الهمام
ابن سلم من شاد المقام ... طيب ثراه يا معين
كان ابن سلم ناشراً ... لشرع طه شاهرا
مناره و صابراً ... على اعراف الناصرين
قام بصدق و اجتهاد ... في الغيل في نفع العباد
أنار بالعلم البلاد ... و ذاك في بضع سنين
جاء إليه السعداء ... ممن أراد الاهتداء
نالوا المنى و المقصدا ... و حازوا عز المخبتين
و البعض عنه أعرضا ... مكافحاً و مبغضا
وشيخنا يبدي الرضا ... لهؤلاء المبغضين
فسيرة الشيخ الأجل ... كسيرة القوم الأوَل
ممن رقى أعلى محل ... من الرجال السالكين
نال المقامات العلا ... مبجلاً عند الملا
في علمه مكملا ... أخلص قصداً ويقين
لا بالدعاوى الكاذبة ... و لا القضايا السالبة
و لا الفعال الخائبة ... كمثل ناس مدعين
خداعة بالألسنة ... مكارة في الأمكنة
قناصة في الأزمنة ... نهَّابة للمسلمين
كل ضعيف ينخدع ... لقوله و يستمع
يظنه ممن رفع ... إلى مقام الآمنين
و أنه ممن رقا ... مقام فضل و تقا
و بالأولى قد لحقا ... أيضاً وشيخ الواعظين
إلى آخر القصيدة.
4 - وقال علوي بن طاهر في العقود: ((العلامة المتفنن الذي أفنى عمره في التَّعليم والتَّدريس، كاشفاً بتقريره كل إشكال وتلبيس، صابراً على ما لقيه في ذلك من جنود إبليس: الشَّيخ محمد بن عمر بن عوض بن سلم المقبور بغيل باوزير)) 2/ 130
5 - وذكر ((الملاحي)) في المذكرة ص152 أن ابن سلم مات مسموماً من قِبَل حُسَّاده".
وفادات العلماء على الرباط:
وقد زار الرباط جماعة من أعلام حضرموت، وأثنوا على شيخه.
وممن عرفنا زيارته للرباط في حياة العلامة ابن سلم:
• العلامة السيد أحمد بن حسن العطاس.
فقد "جاء في رحلة العطَّاس إلى غيل باوزير سنة (1326هـ)
¥