ثم أنتقل إلى جامع "الجردان" إماماً وينضم إلى الحلقة مثاليون كان منهم: (من اشتق مُسَمُّوه له اسماً من الحمد) "محمد بن صالح المحيجين"، ثم (من ملأ عيني ملاحة وجمالاً) "عبد الله بن ناصر السلمي" وبعده (من ملأ فؤادي مهابة وجلالاً) "عبد الله بن فوزان الفوزان". وتمضي الأيام ليأتي (من لم يذق سكر الشباب) "عبد الرحمن العقل" ثم يتسابق الشباب من حفاظ القرآن الكريم على الحلقة، كلما حدَّثهم بها أحد أو حضروا لقاءً من لقاءاتي فيبادرون ويطلبون التسجيل، فينضم إلى الحلقة: "فهد التركي" و (من صُعِقت به أذن الحسود) "عبد الله بن محمد التويجري" ثم (من عفت محاسنه عندي إساءته) "ياسر بن إبراهيم السلامة" ثم (من سيط حب المكرمات بلحمه) "سليمان الدبيخي" ثم جاء "عبد الرحمن بن علي الجمعة" ثم "خالد السيف" ثم "أحمد" ثم "منصور الصقعوب" ... ورأيت أن أجمعهم في كل شهر في طلعة برية فكانوا إذا اجتمعوا جاؤوا بكل طريفة ويزداد بعض القوم من بعضهم علماً، وكنت أعقد لهم المناظرات العلمية التي ربما تستمر الواحدة منها خمس ساعات.
وتمضي الأيام .. ويختم "تركي" المقرر، ويصنع بهذا الختام مناسبة برية ويذبح فيها ذبيحة، ويلقي "فهد اليحيى" بهذه المناسبة قصيدة. ثم يتوالون في الختام، وكل من ختم خرج بنا إلى البر في مناسبة حتى ختم الجميع "الجمع بين الصحيحين" وشرعوا في "السنن" ومنهم من تجاوزوها إلى "المسانيد". ثم تفتح حلقات لتسميع الأحاديث يتبناها أولئك الفتية ويواصلون المشوار ويكملون المسيرة التي بدؤوها فحلقة للشيخ "يوسف" و"تركي الغميز" و"فهد اليحيى" و"عبد الله الفوزان" و"محمد الراشد".
والحمد لله الذي حَمى حِمى الحلقة بحماه، ورعا رعاياها برعايته.
# فضيلة الشيخ: أيام لا تنسى تلك التي قضيتها في تأسيس حلقات تسميع السنة وشق طريقها في الساحة. لاشك أن لك فيها ذكريات من مواقف أفرحتك وأخرى أحزنتك وشقَّت عليك. ماذا تحفظ ذاكرتك من ذلك؟
? نعم إني لأذكر مواقف عشتها من أصعب ما مر عليَّ في أيامي في الحلقة التي كانت هي الهم في صباحي وهي الهم في مسائي. وسأذكر لك طرفاً منها:-
- أُولى هذه المواقف الصعبة: بداية تخاذل الطلاب في الحلقة وانسحابهم الواحد تلو الآخر. لقد كنت بذهاب الواحد منهم كأني أفقد أخاً عزيزاً عليَّ إن لم يكن ابناً محبوباً، ولكن والحمد لله أنزل الله على قلبي الثبات والطمأنينة وتسليت ببقاء "تركي الغميز" حتى أذن الله برجوع الشباب وبدء المسيرة من جديد.
- ثانيها: - والذي لا أنساه - حين انقلبت فيه التوقعات وخابت معه الظنون يوم أتاني طالب من الطلاب وقد كان ألح عليَّ بادئ الأمر لأقبله، ولما ثبتت جدارته في الحفظ إذا هو يطلب الانسحاب ويعتذر عن المواصلة، تفاجأت وقلت له: لماذا ولم يبق عليك إلا خمس صفحات من مفردات البخاري
فأتمم ما بدأت به وأنعم فما المعروف إلا بالتمام
فقال: أحتفظ بالسبب، المهم اسمح لي واعذرني، فقلت: يا بني اسمع مني , وحاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أثنيه عن قراره ولكن لم أفلح، فما كان مني إلا أن أجهشت بالبكاء، وقلت في نفسي: يا عجباً، بالأمس يترجاني ويطلبني لأقبله واليوم ينعكس الحال وأصير أنا الذي أترجاه ليبقى. ويصر الطالب على ذلك وينقطع وتنقطع أخباره، ولما سألت عنه أُخبرتُ أنه -بحمد الله- سائر في سبيل الطلب والدراسة على أحسن حال.
أما الذكريات الجميلة في تلك الأيام، فأجملها:
- عند عودة الطلاب إلى الحلقة، وانضمام جمع مبارك من الحفاظ أمثال "يوسف الغفيص" و"عبد الله السلمي" و"الفوزان" و"المحيجين". وقد كنت كلما جاء طالب وتوسمت فيه النبل والذكاء خررت ساجداً لربي شكراً.
¥