ويقول الشيخ: إن أحب هذه الكتب إليه هو أولها " مباحث في علوم القرآن " ويعلل ذلك بأن أصول هذا الكتاب كانت باكورة تواليفه.
وهو تعليل معقول يثبت أثر الظروف النفسية في إيثار المؤلف بعض تآليفه على بعض، ولكنه لا يثبت أرجحية المختار على سواه في التقدير المطلق. ونظرة مدققة في أسماء هذه الكتب تؤكد أنها على سواء في القيمة الموضوعية، إذ كل مباحثها من الضرب الذي تنطلق إليه حاجة الفكر المسلم في المرحلة الراهنة.
مستقبل الجيل الإسلامي:
ويرى فضيلة المترجم أن ثمة تشابهاً كبيراً في أوضاع العالم الإسلامي على اختلاف دياره وأقطاره، وأن التفاوت الذي يبدو في بعض أجزائه لا يعدو أن يكون تفاوتاً في العوامل المؤثرة فيه قوة وضعفاً، أو في مدى قابليته للتأثر بها. ويوضح الشيخ رأيه قائلاً:
" إن التآمر الدولي الذي يحوكه خصوم الإسلام إنما يستهدف القضاء على كيان الأمة الإسلامية ومقومات شخصياتها حتى تظل نهب المطامع الغربية تارة والشرقية أخرى، فلا يتحقق لها استقلال ذاتي ولا تنفض عن كاهلها غبار التبعية. والغزو الفكري يشق طريق لتحقيق هذا الهدف بخطوات ثابتة، ويقوم بتنفيذها أبناء جلدتنا باسم الحرية والتقدمية. وفي ظن الشيخ أن مستقبل الجيل الإسلامي الجديد سوف يكون أحسن حالاً من حاضره وعياً للإسلام وإدراكاً لمهمته وعملاً على النهوض بأمته.
أما لماذا وكيف. يقول: " لقد ذاق العالم الإسلامي مرارة الاستعمار الغربي، واكتوى بنار فساد المدينة الحديثة ردحاً من الدهر قاسى فيه ألواناً من المآسي أنهكت قواه، وفرقت شمله وأشاعت فيه روح المروق والإباحية، واستغلت مرافقه وخاماته وطاقاته، فرزح تحت نير الاستعباد مكبلاً بأغلاله. ثم جاءت صحوة العالم الإسلامي بعد هذه الكبوة تشع ببوارق الأمل. إلا أن هذا الأمل ما لبث طويلاً حتى تبدد شعاعه في الظلام الكثيف الذي ساقه الثوار المتحررون في مؤامرة جديدة، ترفع شعار الكفاية والعدل، وتخفي وراءها الشيوعية الدولية مغلفة بالحرية والاشتراكية والقومية، وحيث ظن الناس أنهم نجوا من مخلب قط وقعوا بين فكي أسد. ويعرب الأستاذ عن تفاؤله بأن هذا الشعور يكمن اليوم بين جوانح الكثير من أبناء الأمة الإسلامية، وستتاح له الفرصة قريباً للتعبير عن حاجاته، ويومئذ تبدو بوادر اليقظة الواعية التي تنفض يدها من الشرق والغرب، وتراجع رصيدها الإسلامي من تاريخ أمتنا المجيدة، فتجدد في هذه الأمة بواعث الأمل وعوامل النهوض لبناء مجتمع إسلامي معاصر على مبادئ الإسلام وهدى شريعته، يقيم للإنسانية حضارة إسلامية فاضلة، تأخذ بيدها إلى سبيل الرشاد.
مسؤولية علماء الإسلام:
ويفيض الشيخ في الحديث عن هذا الجانب قائلاً:
" على يد علماء الإسلام الذين يدركون واقع أمتهم، ويفهمون حقيقة رسالتهم، ويقدرون أمانة الله في أعناقهم، على يد هؤلاء العلماء يقع العبء الثقيل في مسيرة الجيل، والوقوف في وجه التيارات الغازية، واستئناف حياة إسلامية صحيحة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية بتقديم الصديق إلى إخوانه العلماء بهذه التوصيات الأربع:
1 ـ أن يستشعروا خطورة المسئولية، وفداحة الخطب .. فإن الله قد أناط بهم ميراث النبوة من القيام بواجب الدعوة وهداية البشرية إلى الخير، وهي مسؤولية جد خطيرة لا يحملها إلا أولئك الذين يتجردون لله من ذوي الإيمان الصادق والعزيمة القوية، التي تمضي في طريقها بثبات وصبر: [يا يحيى خذ الكتاب بقوة] [فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل].
والتخلي عن أداء تلك المهمة أو التقصير فيها لا ينكب الأمة في خطب تواسي فيه بالاستعاضة عنه، وإنما ينكبها في أغلى شيء لديها لا تجد له عوضاً.
إن الأمة قد ترزأ في اقتصادها، واحتلال أرضها، أو تخلف حياتها، ولكنها تظل أمة حية تنبض بمعاني القوة ما دامت معتصمة بدينها، مؤمنة بعقيدتها، واثقة بنصر الله لها. أما إذا فقدت الثقة والإيمان والدين فقد فقدت روحها، وأصبحت جثة هامدة لا حياة فيها، وذلك هو الرزء الذي لا تجدي فيه المواساة، ولا يستعاض عنه بشيء، فشعور علماء الإسلام بهذه الحقيقة هو بداية الطريق.
¥