[أستاذي وأبي عبد العظيم الديب ... للأستاذ عبدالسلام بسيونى]
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[10 - 01 - 10, 08:39 ص]ـ
أستاذي وأبي عبد العظيم الديب
عبد السلام البسيوني
09 - 01 - 2010 23:27
ورحل أبي الثاني؛ طيبا ذكره، حميدا أثره، ممحَّصًا مبتلى؛ لينقيه الله من الذنوب حتى يلقاه تعالى وما عليه خطيئة ..
رحل أستاذي وأبي الروحي العلامة عبد العظيم الديب بداء البطن، وداء الهرم، وكلاهما لا دواء له إلا رحمة الله ورضوانه .. وأنعم به من دواء .. هل تعرفه؟
وهذا بعض ما كتبته عنه، وكله حق، ولو أردت أن أزيد عليه ما استطعت، فما زاد عليه وجعي من لوعة الفرق، وأمل في اللقيا في الفردوس الأعلى، في رحاب رب العالمين .. وأرجوك قارئي قل آمين.
أستبعد وحق الله ألا تقع في حبه بمجرد رؤيته، وأستبعد ألا تجزم - بمجرد السلام عليه - أن تسلِّم بأن الدنيا لا تزال بألف خير .. ما دام فيها أمثال أستاذي المرحوم عبد العظيم الديب أبي محمود، قبله الله عنده في المهديين المرضيين .. اللهم آمين.
لو مر وقت ولم أسمع صوته أحس بالشوق، والفراغ، والجوع الروحي، والتقصير في حق نفسي، وحق العلم والعلماء وأهل الفضل والمكارم ..
وهو - جزاه الله عني خيرًا - صاحب فضل .. لم يكن يدعني أنسي أو أهمل؛ ففضيلته ودودٌ وصولٌ بشوش، ودائمًا ما يغمرني بأدبه الجم، ولطفه الغامر، فلا يعطيني الفرصة لأنسي - باتصاله - ودًّا منه وفضلا ..
ورغم كوننا - في الأصل - زفتاويين منشأً، ورغم معرفتي بعدد من أقربائه الأدنين، من قريته كفر إبري، التي تتبع بلدي (جمهورية زفتي) فلم أسعد بالتعرف إليه إلا بالدوحة، بسبب فارق السن والفضل والهم والمعطيات .. ومن وقتها وأنا أراه نجمًا في فلك عااااالٍ لا يدرَك ولا يرام؛ علمًا، ورفقًا، وتواضعًا، وحسن خلق .. صلة، وبرًا، وتعظيمًا لأهل الفضل، ومحافظة علي القيم ومكارم الأخلاق ..
أستاذي الجليل الدكتور عبد العظيم الديب – رحمه الله ولا أزكيه على الله - راهب متبتل في محراب العلم، نهم بشيء اسمه التحقيق .. حتي إنه قضي 20 سنة - عقدين كاملين - في التنقيب في حروف كتاب واحد كبير لإمام الحرمين الجويني - هو نهاية المطلب في فقه الشافعية - وهو أحد الكتب التي قام علي خدمتها؛ غير الدرة المضية والغياثي والبرهان، من كتب الجويني الذي عشقه الديب، وافتتن به أيما افتتان ..
وأستاذي الشيخ الديب ليس ذلك الدفين في أطواء كتب إمام الحرمين لا يعدوها .. فهو المعنيّ بالتاريخ وتصحيحه .. المتصدي لمؤامرات (مؤلفي الضرار) من المزورين للتاريخ - عرض الأمة كما كان يسميه أستاذنا - وله في ذلك تحقيقات ثمينة ككتابه في المنهج عند المؤرخين، وكتابه عن الرؤية الجديدة للتاريخ، وتحقيقاته عن الحجاج الثقفي، ويزيد بن معاوية وغيرهما .. كما كانت له عناية لافتة بالتاريخ المعاصر، تغذيها ذاكرته اليقظة - ما شاء الله، تبارك الله - ومعايشته للعمل الإسلامي، وكبار رموز الفكر كالأستاذ العقاد والأستاذ محمود شاكر وعبد السلام هارون ومحمود الطناحي وأساطين دار العلوم وأعمدة الكتابة والدعوة في هذا القرن .. وله عناية بالشباب والتربية والفقه والأصول .. وذلك كله في إهاب من لغة جزلة، وتعبيرات رصينة، وعفة في القلم تترفع عن جرح الناس - حتي اللد أحيانا - وما كان الرفق في شيء إلا زانه ..
ورغم سنه حفظه الله ومتع به فقد كان محبا للشباب ومجالستهم - مع أنه بوقته ضنين - يقربهم، ويبش لهم، ويأنس بوجودهم، ولا يبخل عليهم بعلم ولا وقت ولا نفع .. ولذلك لم أجد - وربي شهيد - أحدًا ممن لقيت من الشباب إلا ويرتضيه، ويحبه، ويثني عليه، ويعتبره أنموذجًا في العلم والرفق والبشاشة والأبوة؛ دون تحفظ، ولا جمجمة - والناس شهود الله تعالي في الأرض - وكفي بذلك نعمة، ومن الله فضلا ومنة!
كان أستاذي الديب يمقت الخلاف، ويكره العنف، ويكف يده ولسانه - أحسبه والله حسيبه - ومنذ عرفته وهو أسير كتاب، وأسير مروءات، وأسير مكارم، لا يستطيع - فعلاً - أن يجهل علي جاهل، أو يرد علي متطاول، أو يدفع ذم ذامٍّ؛ يري ذلك نقصًا، وعيبًا، وضياع وقت، وبذلاً للعرض، وتبديدًا للحسنات ..
¥