تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحين ضمَّ إلى وزارة الأوقاف بعد تقاعده من الجامعة، كان يقوم بما يكلَّف به بكلِّ دقة، رغم ما أُصيب به من مرض القلب.

وأما تعليمه، فقد كان معلِّما بالنظرة، ومعلِّما بالدراسة، ومعلِّما بالخبرة والممارسة، وقد علَّم أولا في المدارس الثانوية، ثم أمضى معظم حياته أستاذا جامعيًّا، وقد استكمل كلَّ مقوِّمات الأستاذ أو المعلِّم الناجح. وهي: قوَّته في المادَّة التي يعلِّمها، وتمكُّنه منها، ثم حسن طريقته في تعليمها، ثم أن تكون له شخصية تجذب طلاَّبه إليه، وهو ما توافر لعبد العظيم بجدارة، وعُرف به في جامعة قطر، ولا سيما في قسم الدراسات الإسلامية وكلية الشريعة.

والحقيقة أنِّي منذ أُنشئت (كليتا التربية) في قطر نواة للجامعة المنشودة، وكُلِّفتُ فيها بتأسيس قسم للدراسات الإسلامية، حرصتُ على أن يكون عبد العظيم بجانبي، وكان أمامه عدَّة أشهر حتى يحصل على الدكتوراه من كلية دار العلوم، فلما حصل عليها استقدمتُه، فتحمَّل مسؤوليته من أول يوم، وشدَّ أزري، وقوَّى ظهري، كما قال الله تعالى لموسي: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص:35].

كان أبا وصديقا لطلابه:

وقد كان نعم العضد لي، كما كان نعم الزميل لإخوانه، كما كان نعم المعلم لطلاَّبه، وقد تخرَّجت على يديه أجيال بعضهم من النوابغ، كان لهم معلِّما وأبا وصديقا، وكانوا يحبُّونه حبًّا جمًّا، طلبة وطالبات، لغزارة علمه، وسَعَة أفقه، ورقَّة حِسِّه، وحسن خُلقه، وتفانيه في تدريس مادَّته.

وقد عزَّاني بعض طلابه وطالباته من خريجي كلية الشريعة، ومنهم د. عائشة المناعي عميدة الكلية الآن، فذكرت لي أن آثاره لا تزال مغروسة في فكرها ووجدانها، وأنه كان يدرِّس مادَّته في الفقه وأصوله، وهي مادَّة صعبة، لكنه يدرِّسها بـ (مزاج)! ويحبِّبها إلى طلابه بما يُضفي عليها من رُوحه. وهكذا كلُّ مَن درَّسه لا زال موصولا به فكريا وعاطفيا، فقد كان يمارس التدريس كأنه فنان يمارس هوايته.

وذلك لأنه لم يكن يعتبر التدريس مجرد وظيفة، بل يعتبره رسالة يؤمن بها، وعبادة يتقرَّب إلى الله بأدائها!

أستاذ جامعي متميز

والحقُّ أن عبد العظيم الديب يعدُّ أستاذا جامعيًّا متميِّزا، بكلِّ المقاييس، باعتراف كلِّ مَن عايشوه من العمداء والزملاء.

وأشهد أنه منذ جاء عبد العظيم إلى قطر، قد حمل العبء معي، وكان الساعد الأيمن لي، وقد هضم نظام الساعات المكتسبة، وأصول الإرشاد الأكاديمي، وساهم في تيسير ذلك للطلاب مساهمة فعالة. كما أنه رجل مخلص في تدريسه، يتعب على دروسه، ويعدُّ محاضراته، ويقترب من تلاميذه، ويبتكر في طرائقه، حتى إنه كان يدرس كتاب (الحلال والحرام في الإسلام)، فاخترع له أسئلة على الطريقة الأمريكية، بملء الفراغات، أو الإجابة بعلامة ( ü) أو ( û)، أو بكلمة (نعم) أو (لا)، أو اختيار إحدى الإجابات، إلى غير ذلك.

ولهذا كان قريبا من الطلبة والطالبات، محبَّبا إليهم، محوطا بعواطفهم، حتى بعد أن يتخرَّجوا، يظلُّون على صلة به، وقرب منه، وسؤال دائم عنه. وهذا ما لم أجده إلا عند القليلين من الأساتذة.

فمن الأساتذة مَن يحبه الطالب، ولا يحترمه، لأنه طيب القلب، دمث الأخلاق، جيَّاش العاطفة، فمثله يُحبُّ، ولكن ليس عنده من العلم والموهبة والشخصية ما يجعل الطالب يحترمه.

ومن الأساتذة: مَن يحترمه الطالب لقوَّة شخصيته، وسَعَة علمه، وضبطه لقاعة الدرس، ولكنه لا يحبُّه، لفظاظته أو كبريائه، أو جلافة طبعه، أو نحو ذلك، مما لا يجذب القلوب إليه.

ومنهم: مَن لا يحترمه الطالب ولا يحبُّه، فليس عنده من العلم والشخصية ما يحترمه الطالب ويقدِّره لأجله، ولا عنده من العاطفة، وحسن المعاملة، وانبساط الشخصية: ما يحبِّبه إلى الطالب.

ومنهم: مَن يجمع له الطلاب بين التقدير والحبِّ معًا، لما وهبه الله من علم، وما منحه من مواهب، وما يبذل من جهود: تفرض على كلِّ مَن اتَّصل به أن يقدِّره ويحترمه، ويعطيه حقَّه من الإكبار والتقدير، كما أن لديه من الفضائل النفسية، والمكارم الأخلاقية، والسلاسة والعذوبة في الشخصية: ما يجعله يألف ويؤلف، ويُحِب ويُحَب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير