2. رجل آخر غادرنا منذ شهرين ونيف، جاري العزيز بمدينة الشارقة وأخي الفقيد في الدعوة، وصاحبي المخلص في إقامتي بكل من الرباط وبروكسيل والإمارات، الشيخ الداعية سعيد الزياني رحمه الله. كان لا يخطئ صلاة بأحد مساجد حينا إلا أن يكون مسافرا، ولا يسمح لأهله وبناته بإطالة الجلوس في بيت إلا بيتي، رجل ظلت الابتسامة على وجهه، ولصقت بمحياه، فلم تغادره لا حيا ولا ميتا، ظل ينطق بالعلم ويدعو بالحكمة.
من حكمه المأثورة وصفه لمن لا يبتسم في وجه أخيه، ومن يرى أنه من الهمة أن تكون فظا، بقوله: "ويكأنه يرى أن الأسنان عورة من عظيم الإثم كشفها!! "
كانت جنازنه رحمه الله مشهودة وموته فاجعة.
فرحمك الله أبا سلمان وجعل الجنة مثواك.
3. ثم بعد شهر تقريبا غادرنا إلى ربه ومولاه أخونا وزميلنا وحبيبنا الأستاذ الدكتور والعلامة الرباني والباحث الأصولي فريد الأنصاري تغمده الله برحمته. ومازلت أذكر آخر زيارتي له ببيته بمكناس حيث لم يتردد في استقبالي لما علم بقدومي رغم أنه حرم على نفسه ـ لما كان يشكو منه من المرض ـ زيارة إخوانه وأصدقائه حتى المقربين منهم إليه.
أصر رحمه الله أن يستقبلني بحفاوته، ويكرمني على عادته، فبسطنا في الحديث حتى انشرح وكأنه لا يشكو من شيء، وودعته وأنا كلي اطمئنان إلى أنه سيشفى بإذن الله.
وكان مما دار بيننا من حديث سؤالي عن جديد عطائه، واستغرابي لصدور كتابه "الأخطاء السبعة للحركة الإسلامية" وهو الذي انغمس كليا في علوم القرآن وانتدب نفسه لها، وأنا أعرف أنه امتنع ومنع أن يعاد طبعه ويراه شهادة عابرة أملاها وقتها وسياقها التاريخي، فذكرني مصححا أن عنوان الكتاب "الأخطاء الستة" لا السبعة، فقلت له مازحا وملاحظا: السابعة إصدارك له! فضحك ضحكا شديدا كمثل ما كنا نعرفه في سلامة جسمه وقوة شبابه.
فرحمك الله أبا يحيى وجعل الجنة مأواك، فلقد كانت جنازتك مشهودة وفريدة، وددت لو كنت بالبلد فحضرتها، وموتك فاجعة يا هول أثرها! ووقعها
4. ثم فجعنا بموت عالم كان يحبنا في الله، ويحرص على لقائنا كل ما زرنا بلدنا سوس، ولي أبناء خال في آيت ملول كلما حللت هناك ـ وقد طال بي العهد ـ إلا كان الفقيد من المرحبين والحاضرين المتتبعين، ألا وهو العلامة الدكتور مولاي الحسين ألحيان رحمه الله رحمة واسعة.
كان كما هو طبع أهل سوس علامة يرى نفسه على الدوام طالبا، خدوما لمحبي العلم ورجاله وأهله، أصوليا متميزا، عاش شابا في العلم ومات فيه شابا، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جناته.
ومما يطمئن القلب له على مرارة الفواجع، أن هؤلاء العلماء وغيرهم من علماء المغرب أصبح لهم اليوم ذكر وصيت بالمشرق غير مدوّ ولا عال النبرة، لكنه موجود غير مفقود. فقد مضى زمن لا تكاد نجوم المغرب تسطع إلا في دوائرها الجغرافية الخاصة وحدودها الإقليمية الضيقة، يعبر عنهم ابن حزم رحمه الله أجمل تعبير في قوله الذائع الصيت:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع لجد على ما ضاع من ذكري النهب
ولي نحو أكناف العراق صبابة ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم فحينئذ يبدو التأسف والكرب
هنالك يدرى أن للبعد قصة وأن كساد العلم آفته القرب
نسأل الله أن يحفظنا في علمائنا، وأن يبارك في خطواتهم، ويهيء لهم الخلف الصالح والتلامذة الكثر، بما يحيي به الدين، ويرفع به راية المسلمين، وأن يتقبل الذين قضى عليهم الكتاب منهم في عليين.
" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا " (الأحزاب: 23 - 24)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم محمد بريش
ـ[أبو أنس مصطفى البيضاوي]ــــــــ[01 - 02 - 10, 10:58 م]ـ
اللهم آمين
ـ[أبو أنس مصطفى البيضاوي]ــــــــ[02 - 02 - 10, 03:36 ص]ـ
بارك الله في د محمد بريش على رده وأسأل الله أن يطيل في عمر الأحياء ويصلح أحوال الشباب حتى يكونوا خلفا صالحا عن علمائهم
ـ[المالقي]ــــــــ[10 - 04 - 10, 09:32 م]ـ
رحمه الله رحمة واسعة
ـ[أبو أنس مصطفى البيضاوي]ــــــــ[11 - 04 - 10, 02:05 ص]ـ
رحمه الله رحمة واسعة
اللهم آمين